- إنضم
- 5 أكتوبر 2013
- المشاركات
- 8,034
- التفاعل
- 24,203
- النقاط
- 122
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما اخترت هذا الموضوع إلا من الأحداث الجارية على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم لنقتدي بجبيبنا وصحابته الكرام وقت المعارك والحروب لنشد بسيرته الهمة ونقوي العزيمة والإيمان .
سمعت خطبة فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - يوم الجمعة 19 / 4 / 1437
بعنوان : "عِبَرٌ من السيرة النبوية"
واعجبتني وأنقل لكم مايخص تقوية عزيمة المسلمين وبعدها اذكر ما نستفيده من الغزوة :
تحدَّث فيها عن واقع المُسلمين وأنهم منذ أن كتبَ الله لهذا الدين أن تُشرِق شمسُه من هذه الديار، فقد تكفَّل الله بحفظِه، وقضَى أنه لا تزالُ طائفةٌ منصورةٌ لا يضُرُّها من خذلَها ولا من خالفَها، وقد ذكرَ موقفًا من مواقف السيرة النبوية، وهو (غزوة حمراء الأسد)،
وما كان فيها من عزَّة المُسلمين مُتمثِّلةً في قائِدهم الفذِّ - عليه الصلاة والسلام -، وما يُستفادُ منه من العِبر والدروس وموقفٌ مرَّ على رسولِه وصحبِه، فيه ثباتٌ للمُؤمنين، وعزاءٌ للمكلُومين، وأزرٌ للصامِدين.
ففي سُورة آل عِمران عرضَت الآياتُ كفاحَ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه مع قومِهم من المُشركين، وانتِصار المُؤمنين في بدر، وانكِسارَهم في أُحُد، والابتِلاءات والمِحَن، وأحوالَ المُؤمنين والشهداء، ومواقِف المُنافِقين والأعداء، في مسيرةٍ طويلةٍ تحكِيها الآيات، وتعرِضُها مقرونةً بالعِبَر والعِظات، تُعلِّلُ للأحداث، وترسُمُ السُّنَن، وتدعُو للنظر في الأسباب والعواقِب، وتحُثُّ على اليقين والثبات في المبادئ والمواقِف.
ففي المبادئ: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران: 20]،
وفي المواقِف: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]،
وفي تعزيَة المُؤمنين المُصابِين : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران: 140، 141، فإن الباطلَ لا مُستقبلَ له
لا بُدَّ من جِراحٍ وابتِلاءات تكشِفُ العدوَّ من الصديق، وتُفرِزُ طُلاَّبَ المنافِع والمصالِح، وتستبقِي أهلَ الإخلاص والصدقِ الذين ينصُرون نبيَّهم في البأساء والضرَّاء، ويلُوذُون بربِّهم مهما تقلَّبَت الليالي .
وقد ذكرَ الله في هذه السورةِ ما حصلَ للمُسلمين بعد هزيمتِهم في أُحُد، فقال مُمتدِحًا أولياءَه : (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ..) الآيات آل عمران: 172
وهي واقعةٌ سُمِّيت بغزوة (حمراء الأسد)، ولم تكن حمراء الأسد غزوة مستقلة، وإنما هي جزء من غزوة أُحُد، وصفحة من صفحاتها الهامة
وفيها درسٌ من دُروس السياسة والعزَّة والفِداء، ذلك أن المُسلمين أصابَهم القرحُ في أُحُد، وحلَّت بهم هزيمة، وقُتِل سبعُون من الصحابة، وتولَّى المُشرِكون وأقامُوا بالرَّوحاء، فخشِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من طمعِهم في الضَّعف الذي طرأَ على المُسلمين، فيكِرَّ المُشرِكون على المدينة وما فيها من ذَرارِي وأموال
قال الراوي: لما صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصُّبحَ بعد أُحُد، ومعه وجوهُ الأوس والخزرَج، وكانوا باتُوا في المسجِد، فلما انصرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصُّبح أمرَ بِلالاً أن يُنادِي إنَّ رسولَ الله يأمرُكم بطلبِ عدوِّكم، ولا يخرُج معنا إلا من شهِدَ القتالَ بالأمس .
عادٍ راجِعًا إلى دارِه يأمرُ قومَه بالمسير، قال والجراحُ في الناس فاشِية، عامَّةُ بني عبد الأشهل جريح، بل كلُّها، فجاء سعدُ بن مُعاذٍ فقال: إن رسولَ الله يأمرُكم أن تطلبُوا عدوَّكم
قال: يقول أُسَيدُ بن حُضَير - وفيه سبعُ جِراحات وهو يُريدُ أن يُداوِيَها، سمعًا وطاعةً لله ولرسولِه -، فأخذَ سلاحَه ولم يُعرِّج على دواءِ جُرحِه، ولحِقَ برسولِ الله .
وجاء سعدُ بن عُبادة إلى قومِه بني ساعِدة، فأمرَهم بالمَسير، فتلبَّسُوا ولحِقُوا
وجاء أبو قتادة إلى أهل خربَا وهم يُداوُون الجِراح، فقال: هذا مُنادِي رسولِ الله يأمرُكم بطلبِ عدوِّكم، فوثَبُوا إلى سِلاحهم، وما عرَّجُوا على جِراحاتهم
فخرجَ من بني سلِمَة أربعون جريحًا، بالطُّفيل بن النُّعمان ثلاثة عشر جُرحًا، وبخِراش بن الصُّمَّة عشرُ جِراحات، وبكعبِ بن مالكٍ بضعَة عشر جُرحًا، وبقُطبَة بن عامرٍ تسعُ جِراحات، حتى وافَوا النبيَّ ببِئر أبي عِنَبة برأس الثنِيَّة، عليهم السلاح، قد صفُّوا لرسولِ الله
فلما نظرَ رسولُ الله إليهم والجراحُ فيهم فاشِية قال: { اللهم ارحَم بنِي سلِمَة }
قال الواقديُّ: "وحدَّثني عُتبةُ بن جُبَير عن رِجالٍ من قومِه قالوا: إن عبدَ الله بن سهل ورافِع بن سَهل بن عبد الأشهَل رجَعَا من أُحُد وبهما جِراحٌ كثيرة، وعبدُ الله أثقلُهما من الجِراح، فلما أصبَحوا وجاءَهم سعدُ بن مُعاذٍ يُخبِرُهم أن رسولَ الله يأمرُهم بطلبِ عدوِّهم قال أحدُهما لصاحبِه : والله إن تركَنا غزوةً مع رسولِ الله لغَبْن، واللهِ ما عندنا دابَّةٌ نركبُها وما ندرِي كيف نصنَعُ؟
فقال عبدُ الله: انطلِق بنا، قال رافِعٌ: لا واللهِ ما بي مشيٌ، قال أخوهُ: انطلِق بنا نتجارُّ ونقصِد، فخرجَا يزحَفان، فضعُفَ رافِع، فكان عبدُ الله يحمِلُه على ظهره عقبةً، ويمشِي الآخرُ عقبةً، حتى أتَوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عند العشاء، وعلى حرسِه تلك الليلة عبَّادُ بن بِشر فأُتِي بهما إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما حبَسَكما، فأخبرَاه بعلَّتهما، فدعَا لهما بخيرٍ وقال: «إن طالَت لكم مُدَّة كانت لكم مراكِبُ من خيلٍ وبِغالٍ وإبِل ..» الحديث
وخرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مجرُوح، في وجهِه أثرُ الحلقتَين، ومشجُوجٌ في جَبهته في أُصول الشَّعر، ورباعيَّتُه قد شُظِيَت، وشفَتُه قد كُلِمَت من باطنِها، وهو مُتوهِّنٌ منكِبَه الأيمن بضربَة ابن قَمِيئة، ورُكبتَاه مجحُوشَتان
فدخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المسجِد فركعَ ركعتَين، والناسُ قد حشَدُوا، ونزلَ أهلُ العوالِي ، حيث جاءَهم الصريخُ، ثم ركعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتَين، فدعا بفرسِه على بابِ المسجِد، وتلقَّاه طلحةُ وقد سمِع المُنادِي، فخرجَ ينظرُ متى يسيرُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
فإذا رسولُ الله عليه الدِّرعُ والمِغفَر، وما يُرى منه إلا عيناه، فقال: «يا طلحةُ! سِلاحُك!»، فقلتُ: قريبًا . قال طلحةُ : فأخرجُ أعدُوا فألبَسُ دِرعي وآخُذُ سيفِي، وأطرَحُ درقَتي في صدري، وإن بي لتِسعُ جِراحات، ولأنا أهمُّ بجِراحِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مني بجِراحي .
ثم أقبلَ رسولُ الله على طلحَة، فقال: «ترى القومَ الآن؟»، قال: هم بالسيَّالة، قال رسولُ الله: ذلك الذي ظننتُ، أما إنهم يا طلحةُ لن ينالُوا منَّا مثلَ أمسٍ حتى يفتَح الله مكةَ علينا }
ومضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابِه حتى عسكَروا بحمراء الأسد، قال جابر وكان عامَّةُ زادِنا التَّمر
وحملَ سعدُ بن عُبادة ثلاثين جملاً، حتى وافَت الحمراء، وساقَ جُزُرًا، فنحَرُوا في يومٍ اثنين، وفي يومٍ ثلاثًا، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرُهم في النهار بجمعِ الحطَب، فإذا أمسَوا أمرَنا أن نُوقِدَ النِّيران، فيُوقِدُ كلُّ رجلٍ نارًا ، فلقد كنا تلك الليالي نُوقُد خمسمائة نار حتى تُرى من المكانِ البعيد، وذهبَ ذِكرُ مُعسكَرنا ونيرانِنا في كل وجهٍ، حتى كان مما كبَتَ الله عدوَّنا، وهو قولُ الله تعالى :
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران: 173، 174
هذه قصةُ (حمراء الأسد) وهذا خبرُهم. فقد تحاملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، وسارُوا يحمِلون معهم آلامَهم وجِراحَهم، ويضمُّون بين الضُّلوعَ مواجِعَهم ومُصابَهم، ليُبيِّنُوا لعدوِّهم أنهم لم تزَل بهم شوكة، وأن الحِمَى به حِماتُه، ولم ينهزِموا مع جِراحاتهم، وأن الحِمَى إذا لم يُرَ به أسودٌ وطِأَته الثعالِب . فنصرَ الله المُؤمنين، وردَّ كيدَ المُعتَدين
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين } آل عمران: 139- 142
يتبـــــــــع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما اخترت هذا الموضوع إلا من الأحداث الجارية على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم لنقتدي بجبيبنا وصحابته الكرام وقت المعارك والحروب لنشد بسيرته الهمة ونقوي العزيمة والإيمان .
سمعت خطبة فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - يوم الجمعة 19 / 4 / 1437
بعنوان : "عِبَرٌ من السيرة النبوية"
واعجبتني وأنقل لكم مايخص تقوية عزيمة المسلمين وبعدها اذكر ما نستفيده من الغزوة :
تحدَّث فيها عن واقع المُسلمين وأنهم منذ أن كتبَ الله لهذا الدين أن تُشرِق شمسُه من هذه الديار، فقد تكفَّل الله بحفظِه، وقضَى أنه لا تزالُ طائفةٌ منصورةٌ لا يضُرُّها من خذلَها ولا من خالفَها، وقد ذكرَ موقفًا من مواقف السيرة النبوية، وهو (غزوة حمراء الأسد)،
وما كان فيها من عزَّة المُسلمين مُتمثِّلةً في قائِدهم الفذِّ - عليه الصلاة والسلام -، وما يُستفادُ منه من العِبر والدروس وموقفٌ مرَّ على رسولِه وصحبِه، فيه ثباتٌ للمُؤمنين، وعزاءٌ للمكلُومين، وأزرٌ للصامِدين.
ففي سُورة آل عِمران عرضَت الآياتُ كفاحَ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه مع قومِهم من المُشركين، وانتِصار المُؤمنين في بدر، وانكِسارَهم في أُحُد، والابتِلاءات والمِحَن، وأحوالَ المُؤمنين والشهداء، ومواقِف المُنافِقين والأعداء، في مسيرةٍ طويلةٍ تحكِيها الآيات، وتعرِضُها مقرونةً بالعِبَر والعِظات، تُعلِّلُ للأحداث، وترسُمُ السُّنَن، وتدعُو للنظر في الأسباب والعواقِب، وتحُثُّ على اليقين والثبات في المبادئ والمواقِف.
ففي المبادئ: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران: 20]،
وفي المواقِف: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]،
وفي تعزيَة المُؤمنين المُصابِين : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران: 140، 141، فإن الباطلَ لا مُستقبلَ له
لا بُدَّ من جِراحٍ وابتِلاءات تكشِفُ العدوَّ من الصديق، وتُفرِزُ طُلاَّبَ المنافِع والمصالِح، وتستبقِي أهلَ الإخلاص والصدقِ الذين ينصُرون نبيَّهم في البأساء والضرَّاء، ويلُوذُون بربِّهم مهما تقلَّبَت الليالي .
وقد ذكرَ الله في هذه السورةِ ما حصلَ للمُسلمين بعد هزيمتِهم في أُحُد، فقال مُمتدِحًا أولياءَه : (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ..) الآيات آل عمران: 172
وهي واقعةٌ سُمِّيت بغزوة (حمراء الأسد)، ولم تكن حمراء الأسد غزوة مستقلة، وإنما هي جزء من غزوة أُحُد، وصفحة من صفحاتها الهامة
وفيها درسٌ من دُروس السياسة والعزَّة والفِداء، ذلك أن المُسلمين أصابَهم القرحُ في أُحُد، وحلَّت بهم هزيمة، وقُتِل سبعُون من الصحابة، وتولَّى المُشرِكون وأقامُوا بالرَّوحاء، فخشِيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من طمعِهم في الضَّعف الذي طرأَ على المُسلمين، فيكِرَّ المُشرِكون على المدينة وما فيها من ذَرارِي وأموال
قال الراوي: لما صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصُّبحَ بعد أُحُد، ومعه وجوهُ الأوس والخزرَج، وكانوا باتُوا في المسجِد، فلما انصرَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الصُّبح أمرَ بِلالاً أن يُنادِي إنَّ رسولَ الله يأمرُكم بطلبِ عدوِّكم، ولا يخرُج معنا إلا من شهِدَ القتالَ بالأمس .
عادٍ راجِعًا إلى دارِه يأمرُ قومَه بالمسير، قال والجراحُ في الناس فاشِية، عامَّةُ بني عبد الأشهل جريح، بل كلُّها، فجاء سعدُ بن مُعاذٍ فقال: إن رسولَ الله يأمرُكم أن تطلبُوا عدوَّكم
قال: يقول أُسَيدُ بن حُضَير - وفيه سبعُ جِراحات وهو يُريدُ أن يُداوِيَها، سمعًا وطاعةً لله ولرسولِه -، فأخذَ سلاحَه ولم يُعرِّج على دواءِ جُرحِه، ولحِقَ برسولِ الله .
وجاء سعدُ بن عُبادة إلى قومِه بني ساعِدة، فأمرَهم بالمَسير، فتلبَّسُوا ولحِقُوا
وجاء أبو قتادة إلى أهل خربَا وهم يُداوُون الجِراح، فقال: هذا مُنادِي رسولِ الله يأمرُكم بطلبِ عدوِّكم، فوثَبُوا إلى سِلاحهم، وما عرَّجُوا على جِراحاتهم
فخرجَ من بني سلِمَة أربعون جريحًا، بالطُّفيل بن النُّعمان ثلاثة عشر جُرحًا، وبخِراش بن الصُّمَّة عشرُ جِراحات، وبكعبِ بن مالكٍ بضعَة عشر جُرحًا، وبقُطبَة بن عامرٍ تسعُ جِراحات، حتى وافَوا النبيَّ ببِئر أبي عِنَبة برأس الثنِيَّة، عليهم السلاح، قد صفُّوا لرسولِ الله
فلما نظرَ رسولُ الله إليهم والجراحُ فيهم فاشِية قال: { اللهم ارحَم بنِي سلِمَة }
قال الواقديُّ: "وحدَّثني عُتبةُ بن جُبَير عن رِجالٍ من قومِه قالوا: إن عبدَ الله بن سهل ورافِع بن سَهل بن عبد الأشهَل رجَعَا من أُحُد وبهما جِراحٌ كثيرة، وعبدُ الله أثقلُهما من الجِراح، فلما أصبَحوا وجاءَهم سعدُ بن مُعاذٍ يُخبِرُهم أن رسولَ الله يأمرُهم بطلبِ عدوِّهم قال أحدُهما لصاحبِه : والله إن تركَنا غزوةً مع رسولِ الله لغَبْن، واللهِ ما عندنا دابَّةٌ نركبُها وما ندرِي كيف نصنَعُ؟
فقال عبدُ الله: انطلِق بنا، قال رافِعٌ: لا واللهِ ما بي مشيٌ، قال أخوهُ: انطلِق بنا نتجارُّ ونقصِد، فخرجَا يزحَفان، فضعُفَ رافِع، فكان عبدُ الله يحمِلُه على ظهره عقبةً، ويمشِي الآخرُ عقبةً، حتى أتَوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عند العشاء، وعلى حرسِه تلك الليلة عبَّادُ بن بِشر فأُتِي بهما إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما حبَسَكما، فأخبرَاه بعلَّتهما، فدعَا لهما بخيرٍ وقال: «إن طالَت لكم مُدَّة كانت لكم مراكِبُ من خيلٍ وبِغالٍ وإبِل ..» الحديث
وخرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مجرُوح، في وجهِه أثرُ الحلقتَين، ومشجُوجٌ في جَبهته في أُصول الشَّعر، ورباعيَّتُه قد شُظِيَت، وشفَتُه قد كُلِمَت من باطنِها، وهو مُتوهِّنٌ منكِبَه الأيمن بضربَة ابن قَمِيئة، ورُكبتَاه مجحُوشَتان
فدخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المسجِد فركعَ ركعتَين، والناسُ قد حشَدُوا، ونزلَ أهلُ العوالِي ، حيث جاءَهم الصريخُ، ثم ركعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتَين، فدعا بفرسِه على بابِ المسجِد، وتلقَّاه طلحةُ وقد سمِع المُنادِي، فخرجَ ينظرُ متى يسيرُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -
فإذا رسولُ الله عليه الدِّرعُ والمِغفَر، وما يُرى منه إلا عيناه، فقال: «يا طلحةُ! سِلاحُك!»، فقلتُ: قريبًا . قال طلحةُ : فأخرجُ أعدُوا فألبَسُ دِرعي وآخُذُ سيفِي، وأطرَحُ درقَتي في صدري، وإن بي لتِسعُ جِراحات، ولأنا أهمُّ بجِراحِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مني بجِراحي .
ثم أقبلَ رسولُ الله على طلحَة، فقال: «ترى القومَ الآن؟»، قال: هم بالسيَّالة، قال رسولُ الله: ذلك الذي ظننتُ، أما إنهم يا طلحةُ لن ينالُوا منَّا مثلَ أمسٍ حتى يفتَح الله مكةَ علينا }
ومضَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابِه حتى عسكَروا بحمراء الأسد، قال جابر وكان عامَّةُ زادِنا التَّمر
وحملَ سعدُ بن عُبادة ثلاثين جملاً، حتى وافَت الحمراء، وساقَ جُزُرًا، فنحَرُوا في يومٍ اثنين، وفي يومٍ ثلاثًا، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرُهم في النهار بجمعِ الحطَب، فإذا أمسَوا أمرَنا أن نُوقِدَ النِّيران، فيُوقِدُ كلُّ رجلٍ نارًا ، فلقد كنا تلك الليالي نُوقُد خمسمائة نار حتى تُرى من المكانِ البعيد، وذهبَ ذِكرُ مُعسكَرنا ونيرانِنا في كل وجهٍ، حتى كان مما كبَتَ الله عدوَّنا، وهو قولُ الله تعالى :
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } آل عمران: 173، 174
هذه قصةُ (حمراء الأسد) وهذا خبرُهم. فقد تحاملَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، وسارُوا يحمِلون معهم آلامَهم وجِراحَهم، ويضمُّون بين الضُّلوعَ مواجِعَهم ومُصابَهم، ليُبيِّنُوا لعدوِّهم أنهم لم تزَل بهم شوكة، وأن الحِمَى به حِماتُه، ولم ينهزِموا مع جِراحاتهم، وأن الحِمَى إذا لم يُرَ به أسودٌ وطِأَته الثعالِب . فنصرَ الله المُؤمنين، وردَّ كيدَ المُعتَدين
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين } آل عمران: 139- 142
يتبـــــــــع