بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة سمعتها منذ زمن بعييييييد ولا انساها واتمني ان تكون لنا عبرة
جابر عثرات الكرام
وكنت اعرفها باسم ( قائل عثرات الكرام ) ولكن هكذا الدنيا لا تثبت علي حال
كان في زمان سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم رجلٌ يُقال له " خُزيمة بن بِشر " ؛ من بني أسد بالرَّقَّة ، وكانت له مروءة و نِعمة حسنة وفضل و بِرٌّ بإخوانه ، فلم يزل على تلك الحال حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يتفضَّل عليهم ، فواسَوه حيناً ، ثم ملُّوه ، فلمّا لاح له تغيُّرهم أتى إلى امرأته - وكانت ابنة عمه - ؛ فقال لها : يابنت عمّ ؛ قد رأيتُ من إخواني تغيُّراً ، و قد عزمتُ على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت .
وأغلق بابه عليه ، وأقام يتقوَّتُ بما عنده ، حتى نفد ؛ وبقي حائراً في أمره ؟!!.
وكان خزيمة من جلّاس والي الجزيرة عِكرمة الفيَّاض الرِّبعي - و سُمِّي " الفياض " لكثرة ما يفيض على إخوانه من المال والعطايا - ، و في أحد الأيام كان عكرمة في مجلسه ؛ وعنده جماعة من أهل البلد ، فجرى ذِكر خزيمة بن بشر في المجلس ، فقال الوالي عكرمة مستفهماً عن تغيبه الذي طال عن مجلسه : ما حاله ؟ فقالوا : صار من سوء الحال إلى أمرٍ لا يُوصَف ؛ فأغلق بابه ؛ ولزم بيته .!! فقال عكرمة الفيَّاض : فما وجدَ خُزيمةُ بنُ بِشر مُواسِياً ولامُكافياً ؟ قالوا : لا . فأمسك عن الكلام ، و عزم في نفسه على فعل شيء .
فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار ؛ فجعلها في كيس واحد ، ثم أمر بإسراج دابته ،وخرج سِرّاً دون أن يُعلم أهله ، فركب ومعه غلام من غِلمانه يحمل المال ، ثم سار إلى بيت خزيمة ، حتى وقف ببابه ، فأخذ الكيسَ من الغلام ، ثم أبعده عن الباب حتى لا يرى و لا يسمع ماذا سيكون من فعله و كلامه .
ثم تقدم الفياض إلى الباب فدقَّه بنفسه ، فخرج إليه خزيمةُ ، و دون كلام ناوله كيس المال ، و قال له : أَصلِح بهذا شأنَكَ . فتناوله خزيمةُ ؛ فرآه ثقيلاً ؛ فوضعه ، ثم أمسك لجام دابّة الفياض ، وقال له : مَن أنت - جُعِلتُ فِداكَ - ؟ . فقال الفياض : ما جِئتُك هذه الساعةَ وأنا أريد أن تعرفني !! . فقال خُزيمة : فما أقبل أَو تُخبرَني من أنت ؟ . قال : أنا جابر عَثَرات الكرام . قال خزيمة : زدني . قال : لا . ثم مضى عكرمة ، و دخل خُزيمة بالكيس إلى امرأته ؛ فقال لها : أَبشِري ؛ فقد أتى اللهُ بالفَرَج والخير ، ولو كانت فُلوساً فهي كثيرةٌ ؛ قومي فأَسرِجي . فقالت : لا سبيل إلى السِّراج !! – لم يتبق عندهم زيت ليوقدوا به السراج !! - .
فبات ليلته يتلمس الكيس ؛ فيجد خُشونة الدنانير و هو لا يصدِّق أنها مال ؛ و أن الفرَج قد جاء .
ورجع عكرمة الفيّاض إلى منزله ، فوجد امرأته قد افتقدَتْه؛ وسألت عنه ؟ فأُخبِرَت بركوبه منفرداً ، فارتابت لذلك ؟!! فشقت جَيبَها ؛ولَطَمَت خدَّها ؛ و هي تظن به الظنون !!! ، فلمّا رآها على تلك الحال قال لها : مادَهاكِ يا بنتَ عم ؟ . قالت : غَدَرتَ يا عِكرمةُ بابنة عمّك ؟. قال : وما ذاك ؟قالت : أميرُ الجزيرة يخرج بعد هَدْأَةٍ من الليل مُنفرداً من غلمانه ؛ في سِرٍّ منأهله !! والله ما يَخرُج إلا إلى زوجة أو سَرِيةٍ ؟ ...
و هكذا المرأة إذا ماتحركت فيها الغيرة أو أثيرت شكوكها ... بركان هادر ؛ مدمر ...
فقال لها زوجها عكرمة : لقد علمَ اللهُ أَنِّي ما خرجتُ إلى واحدة مما ذكرتِ . قالت : فخبِّرْني ؛فِيمَ خرجتَ ؟ قال : يا هذه ؛ لم أخرج في هذا الوقت وأنا أريد أن يعلمَ بي أحد ؟! قالت : لا بد أن تخبرني . قال : فاكتُميه إذاً . قالت : أَفعلُ . فأخبرها القصة على وجهها ، وما كان من حديث بينه و بين خزيمة و كيف أعطاه المال ؛ و كيف سأله عن اسمه؟ و كيف أجابه قائلاً : أنا جابر عثرات الكرام . ثم قال لزوجته : أتُحبِّين أن أحلف لك ؟ قالت : لا ؛ فإن قلبي قد سَكَن إلى ما ذَكَرتَ .
فلما أصبح خُزيمة صالح الغرماء – دفع ديونه - ، وأصلح من حاله ، ثم تجهز لزيارة الخليفة سليمان بن عبد الملك بفلسطين – و كانت عسقلان بفلسطين مصيف الخلفاء - ، فسافر إليه ، و لما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بوصول خزيمة بن بِشر للقائه – و كان الخليفة سليمان بن عبد الملك يعرف خزيمة و مروءته و كرمه - ، فأذنله بالدخول ، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة ، قال له الخليفة : يا خزيمة ؛ ما أبطأك عنا ؟ قال : سوء الحال . قال: فما منعك من النّهضة إلينا ؟ - لماذا لم تأت إلينا لنسعفك ؟ - قال خزيمة : ضعفي يا أمير المؤمنين . فقال الخليفة : ففيمَ نهضت ؟ - كيف فُرِّج عنك فاستطعت أن تأتي إلينا ؟ - قال : لم أعلم - يا أمير المؤمنين - بعد هَدأَة الليل إلا و رَجُلٌ طرق بابي ، فكان منه كَيت وكَيتَ ... وأخبره القصة من أولها إلى آخرها . فقال له الخليفة : هل تعرفه ؟ قال خزيمة : ما عرفته يا أمير المؤمنين ، وذلك لأنه كان متنكِّراً ، وما سمعت منه إلا " أنا جابر عثرات الكرام " . فقال الخليفة متلهفاً إلى معرفته : لو عَرَفناه لأعنَّاهُ على مروءته .
ثم قال : عليَّ بقَناة – ورقة ليكتب عليها - . فأُتِي بها ، فعَقَد لخزيمة الولايةَ على الجزيرة ؛ مكان ولاية عكرمة الفياض ... عزل عكرمة و أقام مكانه خزيمة ؟؟؟!!
فخرج خزيمة متوجها للجزيرة ،فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه ، فسلم عليه ، و سارا جميعاً إلى أندخلا البلد ، فنزل خزيمة في دارة الإمارة ، و كان قد أعلن البحث عن " جابر عثرات الكرام " ، و جعل جائزة مغرية لمن يدله عليه .
و أول ما باشر ولايته بدأ بمحاسبة الموظفين السابقين ؛ بدءاً بالوالي السابق نفسه ، وأمر بالتدقيق في الحسابات المالية للولاية ، فوجد نقصا في خزينة الولاية لحساب عكرمة الفياض ، فأمر خزيمة أن يُؤخَذ عِكرمةُ – أن يُحَّقق معه - ، وأن يُحاسَب ، فحُوسِب ، فوُجِدت عليه فضول ٌكثيرة – نقص في خزينة مال الولاية - ، فطلب من عكرمة أن يؤديها . فقال عكرمة : مالي إلى شيء منها سبيلٌ ؟ فقال خزيمة : لا بد منها !! فقال : ما هي عندي ؛ فاصنع ماأنت صانع . فأَمر به إلى الحبس ؛ فحبسه !! ثم بعث إليه يطالبه . فأرسل إليه : إني لستُ ممن يصون مالَه بعِرْضِه ؛ فاصنعْ ما شئتَ ؟! ... رفض أن يكشف أين أنفق المال حتى لا يقال : إنه كشف عورات المساكين و المحتاجين الذين أنفق عليهم المال ؛ و منهم خزيمة نفسه ...!! سبحان ربي العظيم ؛ ما هذه النفوس الكبيرة ؟
فأمر خزيمة به ؛فكُبِّل بالحديد ، وضُيِّق عليه ، وأقام كذلك شهراً أو أكثر ، فأضناه ذلك ، و أضرّبه .
وبلغ إلى زوجته ما نزل بعكرمة من الضُّرِّ والأذى ،فجزعت عليه ، واغتمَّت لذلك ، ثم دعت مولاةً – خادمة - لها ذات عقل ، وقالت لها : امضي الساعةََ إلى باب هذا الأمير ؛ فقولي : عندي نصيحة . فإذا طُلِبَت منك ؛ فقولي : لا أقولها إلا للأمير خزيمة بن بشر . فإذا دخلتِ عليه فسَلِيه أن يُخلِيك – أن يكون حديثك معه على انفراد بينكما - ، فإذا فعل ؛ فقولي له : ما كان هذا جزاءَ جابر عثرات الكرام منك ! كافأْتَه بالحبس والضيق والحديد ؟ .
فذهبت المولاة إلى بابقصر الأمير ، و فعلت ما قالته لها سيدتها ، فلما سمع خزيمة دعاها ؛ فاستمع منها كلامها ، و إذا به يقول :
وا سوأتاه ! وإنه لهُوَ جابر عثرات الكرام ؟ قالت : نعم .
فأمر خزيمة مباشرة بتجهيز راحلته ، فأُسرِجَت ، وبَعَث إلى رؤوس أهل البلد فجمعهم ، وأتى بهم إلى باب الحبس ففُتِح ، و دخل خُزيمةُ ومن معه ، فوجد عِكرمةَ في قاع الحبس متغيِّراً ؛ قد أضناه الضُّرّ ، فلما نظر إليه عِكرمة وإلى الناس أَحشَمَه ذلك و نكَّس رأسه – خجل من الناس و من الوالي ، و علم أنهم عرفوا أنه هو جابر عثرات الكرام - ، فأقبل خُزيمة حتى أكبَّ على رأس عكرمة ؛فقبَّله ، فرفع عكرمةُ رأسَه ؛ وقال : ما أعقبَ هذا منك ؟ - ما الذي جعلك تغير موقفك مني ؛ فأنت سجنتني و عذبتني ؛ والآن تقبل رأسي ؛ فما الذي سبب هذا التغيير منك في معاملتي ؟؟ - ، فقال الوالي خزيمة بن بشر : كريمُ فِعالك ؛ وسوء مكافأتي !!. فقال عكرمة : فغَفَرَ اللهُ لنا ولك .
ثم أمر خزيمة الحدَّاد ؛ ففكَّ القيدَ عن عكرمة ، وأمره أن يضَعَه في رِجْل نفسه !! . فقال عكرمة : تريد ماذا ؟ قال خزيمة : أريد أن يَنالَني الضُّرُّ مثل ما نالك . قال عكرمة : أقسم عليك بالله ألا تفعل .
فخرجا جميعاً من السجن ، إلى أن وصلا دار خزيمة ، فودّعه عكرمة ، و أراد الانصراف ، فقال له ابن بشر : ما أنت ببارح !!. قال عكرمة : وما تريد ؟ قال : أغيِّر من حالك ، وحيائي من ابنة عمِّك – زوجتك - أشدُّ من حيائي منك !! .
ثم أمر خزيمة بالحمَّام فأُخلِي ، و دخلا جميعاً ، ثم قام خزيمةُ فتولّى خدمة عكرمة بنفسه ، ثم خرجا ، فخلع عليه – أعطاه جميل الهدايا و ثمينها - ، وجَمَّله ، وأعطاه مالاً كثيراً ، ثم سار معه إلى داره ، واستأذنه في الاعتذار إلى ابنة عمه ، فأذن له ،فاعتذر لها ، و صار يذمّ نفسه على ما فعله ، ثم طلب من عكرمة أن يسافر معه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك - وهو يومئذ مقيم بالرملة من فلسطين - ، فوافق عكرمة .
و في اليوم الثاني توجه عكرمة الفياض مع خزيمة بن بشر إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك ، فسارا جميعاً ، حتى قدما على سليمان بن عبد الملك ، فدخل الحاجبُ وأعلم الخليفة بقدوم خزيمة بن بشر ، فراعه ذلك وقال : والي الجزيرة يقدم بغير أمرنا ؛ مع قُرب العهد به ؟ ما هذا إلا لحادث عظيم !! . فلما دخل خزيمة ؛ قال له الخليفة قبل أن يسلِّم : ما وراءك يا خزيمة ؟قال : خيرٌ ؛ يا أمير المؤمنين . قال : فما الذي أقدمك ؟ قال : ظفرت بـ " جابر عثرات الكرام " ، فأحببت أن أَسرَّك به ، لما رأيت من تلهفك وشوقك إلى رؤيته . فقال الخليفة : ومن هو ؟ قال : هو عكرمة الفياض . فأذن الخليفة له بالدخول ، فدخل عكرمة، وسلّم على الخليفة بالخلافة ، فرحّب به ، وأدناه من مجلسه ، وقال : يا عكرمة ؛ ماكان خيرُك له إلا وبالاً عليك !!؟؟ .
ثم قال : اكتُب حوائجَك كلَّها ، وماتختاره في رقعةٍ . قال : أَوَ يعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا بدَّ أن تكتب . ثم دعا الخليفة بدواة وقرطاس ، وقال لخزيمة : اعتزِلْ ، و اكتُبْ جميعَ حوائجك . ففعل خزيمة ذلك ، فأمر الخليفة بقضائها جميعاً من ساعته ، وأمر لعكرمة بعشرة آلاف دينار ، وسِفطَين من ثياب ، ثم دعا بقناة وولّاه على الجزيرة و أرمينية وأذربيجان ،وقال له : أَمرُ خزيمة إليك ؛ إن شئتَ أبقيتَه ؛ وإن شئت عزلتَه ؟ فقال عكرمة : بلأردُّه إلى عمله يا أمير المؤمنين .
ثم انصرفا جميعاً إلى الجزيرة ، ولم يزالا عاملَين لسليمان بن عبد الملك مدّةَ خلافته .
هيييييييه!!!!!!!
رجال!!!!!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه القصة سمعتها منذ زمن بعييييييد ولا انساها واتمني ان تكون لنا عبرة
جابر عثرات الكرام
وكنت اعرفها باسم ( قائل عثرات الكرام ) ولكن هكذا الدنيا لا تثبت علي حال

كان في زمان سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم رجلٌ يُقال له " خُزيمة بن بِشر " ؛ من بني أسد بالرَّقَّة ، وكانت له مروءة و نِعمة حسنة وفضل و بِرٌّ بإخوانه ، فلم يزل على تلك الحال حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يتفضَّل عليهم ، فواسَوه حيناً ، ثم ملُّوه ، فلمّا لاح له تغيُّرهم أتى إلى امرأته - وكانت ابنة عمه - ؛ فقال لها : يابنت عمّ ؛ قد رأيتُ من إخواني تغيُّراً ، و قد عزمتُ على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت .
وأغلق بابه عليه ، وأقام يتقوَّتُ بما عنده ، حتى نفد ؛ وبقي حائراً في أمره ؟!!.
وكان خزيمة من جلّاس والي الجزيرة عِكرمة الفيَّاض الرِّبعي - و سُمِّي " الفياض " لكثرة ما يفيض على إخوانه من المال والعطايا - ، و في أحد الأيام كان عكرمة في مجلسه ؛ وعنده جماعة من أهل البلد ، فجرى ذِكر خزيمة بن بشر في المجلس ، فقال الوالي عكرمة مستفهماً عن تغيبه الذي طال عن مجلسه : ما حاله ؟ فقالوا : صار من سوء الحال إلى أمرٍ لا يُوصَف ؛ فأغلق بابه ؛ ولزم بيته .!! فقال عكرمة الفيَّاض : فما وجدَ خُزيمةُ بنُ بِشر مُواسِياً ولامُكافياً ؟ قالوا : لا . فأمسك عن الكلام ، و عزم في نفسه على فعل شيء .
فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار ؛ فجعلها في كيس واحد ، ثم أمر بإسراج دابته ،وخرج سِرّاً دون أن يُعلم أهله ، فركب ومعه غلام من غِلمانه يحمل المال ، ثم سار إلى بيت خزيمة ، حتى وقف ببابه ، فأخذ الكيسَ من الغلام ، ثم أبعده عن الباب حتى لا يرى و لا يسمع ماذا سيكون من فعله و كلامه .
ثم تقدم الفياض إلى الباب فدقَّه بنفسه ، فخرج إليه خزيمةُ ، و دون كلام ناوله كيس المال ، و قال له : أَصلِح بهذا شأنَكَ . فتناوله خزيمةُ ؛ فرآه ثقيلاً ؛ فوضعه ، ثم أمسك لجام دابّة الفياض ، وقال له : مَن أنت - جُعِلتُ فِداكَ - ؟ . فقال الفياض : ما جِئتُك هذه الساعةَ وأنا أريد أن تعرفني !! . فقال خُزيمة : فما أقبل أَو تُخبرَني من أنت ؟ . قال : أنا جابر عَثَرات الكرام . قال خزيمة : زدني . قال : لا . ثم مضى عكرمة ، و دخل خُزيمة بالكيس إلى امرأته ؛ فقال لها : أَبشِري ؛ فقد أتى اللهُ بالفَرَج والخير ، ولو كانت فُلوساً فهي كثيرةٌ ؛ قومي فأَسرِجي . فقالت : لا سبيل إلى السِّراج !! – لم يتبق عندهم زيت ليوقدوا به السراج !! - .
فبات ليلته يتلمس الكيس ؛ فيجد خُشونة الدنانير و هو لا يصدِّق أنها مال ؛ و أن الفرَج قد جاء .
ورجع عكرمة الفيّاض إلى منزله ، فوجد امرأته قد افتقدَتْه؛ وسألت عنه ؟ فأُخبِرَت بركوبه منفرداً ، فارتابت لذلك ؟!! فشقت جَيبَها ؛ولَطَمَت خدَّها ؛ و هي تظن به الظنون !!! ، فلمّا رآها على تلك الحال قال لها : مادَهاكِ يا بنتَ عم ؟ . قالت : غَدَرتَ يا عِكرمةُ بابنة عمّك ؟. قال : وما ذاك ؟قالت : أميرُ الجزيرة يخرج بعد هَدْأَةٍ من الليل مُنفرداً من غلمانه ؛ في سِرٍّ منأهله !! والله ما يَخرُج إلا إلى زوجة أو سَرِيةٍ ؟ ...
و هكذا المرأة إذا ماتحركت فيها الغيرة أو أثيرت شكوكها ... بركان هادر ؛ مدمر ...
فقال لها زوجها عكرمة : لقد علمَ اللهُ أَنِّي ما خرجتُ إلى واحدة مما ذكرتِ . قالت : فخبِّرْني ؛فِيمَ خرجتَ ؟ قال : يا هذه ؛ لم أخرج في هذا الوقت وأنا أريد أن يعلمَ بي أحد ؟! قالت : لا بد أن تخبرني . قال : فاكتُميه إذاً . قالت : أَفعلُ . فأخبرها القصة على وجهها ، وما كان من حديث بينه و بين خزيمة و كيف أعطاه المال ؛ و كيف سأله عن اسمه؟ و كيف أجابه قائلاً : أنا جابر عثرات الكرام . ثم قال لزوجته : أتُحبِّين أن أحلف لك ؟ قالت : لا ؛ فإن قلبي قد سَكَن إلى ما ذَكَرتَ .
فلما أصبح خُزيمة صالح الغرماء – دفع ديونه - ، وأصلح من حاله ، ثم تجهز لزيارة الخليفة سليمان بن عبد الملك بفلسطين – و كانت عسقلان بفلسطين مصيف الخلفاء - ، فسافر إليه ، و لما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بوصول خزيمة بن بِشر للقائه – و كان الخليفة سليمان بن عبد الملك يعرف خزيمة و مروءته و كرمه - ، فأذنله بالدخول ، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة ، قال له الخليفة : يا خزيمة ؛ ما أبطأك عنا ؟ قال : سوء الحال . قال: فما منعك من النّهضة إلينا ؟ - لماذا لم تأت إلينا لنسعفك ؟ - قال خزيمة : ضعفي يا أمير المؤمنين . فقال الخليفة : ففيمَ نهضت ؟ - كيف فُرِّج عنك فاستطعت أن تأتي إلينا ؟ - قال : لم أعلم - يا أمير المؤمنين - بعد هَدأَة الليل إلا و رَجُلٌ طرق بابي ، فكان منه كَيت وكَيتَ ... وأخبره القصة من أولها إلى آخرها . فقال له الخليفة : هل تعرفه ؟ قال خزيمة : ما عرفته يا أمير المؤمنين ، وذلك لأنه كان متنكِّراً ، وما سمعت منه إلا " أنا جابر عثرات الكرام " . فقال الخليفة متلهفاً إلى معرفته : لو عَرَفناه لأعنَّاهُ على مروءته .
ثم قال : عليَّ بقَناة – ورقة ليكتب عليها - . فأُتِي بها ، فعَقَد لخزيمة الولايةَ على الجزيرة ؛ مكان ولاية عكرمة الفياض ... عزل عكرمة و أقام مكانه خزيمة ؟؟؟!!
فخرج خزيمة متوجها للجزيرة ،فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه ، فسلم عليه ، و سارا جميعاً إلى أندخلا البلد ، فنزل خزيمة في دارة الإمارة ، و كان قد أعلن البحث عن " جابر عثرات الكرام " ، و جعل جائزة مغرية لمن يدله عليه .
و أول ما باشر ولايته بدأ بمحاسبة الموظفين السابقين ؛ بدءاً بالوالي السابق نفسه ، وأمر بالتدقيق في الحسابات المالية للولاية ، فوجد نقصا في خزينة الولاية لحساب عكرمة الفياض ، فأمر خزيمة أن يُؤخَذ عِكرمةُ – أن يُحَّقق معه - ، وأن يُحاسَب ، فحُوسِب ، فوُجِدت عليه فضول ٌكثيرة – نقص في خزينة مال الولاية - ، فطلب من عكرمة أن يؤديها . فقال عكرمة : مالي إلى شيء منها سبيلٌ ؟ فقال خزيمة : لا بد منها !! فقال : ما هي عندي ؛ فاصنع ماأنت صانع . فأَمر به إلى الحبس ؛ فحبسه !! ثم بعث إليه يطالبه . فأرسل إليه : إني لستُ ممن يصون مالَه بعِرْضِه ؛ فاصنعْ ما شئتَ ؟! ... رفض أن يكشف أين أنفق المال حتى لا يقال : إنه كشف عورات المساكين و المحتاجين الذين أنفق عليهم المال ؛ و منهم خزيمة نفسه ...!! سبحان ربي العظيم ؛ ما هذه النفوس الكبيرة ؟
فأمر خزيمة به ؛فكُبِّل بالحديد ، وضُيِّق عليه ، وأقام كذلك شهراً أو أكثر ، فأضناه ذلك ، و أضرّبه .
وبلغ إلى زوجته ما نزل بعكرمة من الضُّرِّ والأذى ،فجزعت عليه ، واغتمَّت لذلك ، ثم دعت مولاةً – خادمة - لها ذات عقل ، وقالت لها : امضي الساعةََ إلى باب هذا الأمير ؛ فقولي : عندي نصيحة . فإذا طُلِبَت منك ؛ فقولي : لا أقولها إلا للأمير خزيمة بن بشر . فإذا دخلتِ عليه فسَلِيه أن يُخلِيك – أن يكون حديثك معه على انفراد بينكما - ، فإذا فعل ؛ فقولي له : ما كان هذا جزاءَ جابر عثرات الكرام منك ! كافأْتَه بالحبس والضيق والحديد ؟ .
فذهبت المولاة إلى بابقصر الأمير ، و فعلت ما قالته لها سيدتها ، فلما سمع خزيمة دعاها ؛ فاستمع منها كلامها ، و إذا به يقول :
وا سوأتاه ! وإنه لهُوَ جابر عثرات الكرام ؟ قالت : نعم .
فأمر خزيمة مباشرة بتجهيز راحلته ، فأُسرِجَت ، وبَعَث إلى رؤوس أهل البلد فجمعهم ، وأتى بهم إلى باب الحبس ففُتِح ، و دخل خُزيمةُ ومن معه ، فوجد عِكرمةَ في قاع الحبس متغيِّراً ؛ قد أضناه الضُّرّ ، فلما نظر إليه عِكرمة وإلى الناس أَحشَمَه ذلك و نكَّس رأسه – خجل من الناس و من الوالي ، و علم أنهم عرفوا أنه هو جابر عثرات الكرام - ، فأقبل خُزيمة حتى أكبَّ على رأس عكرمة ؛فقبَّله ، فرفع عكرمةُ رأسَه ؛ وقال : ما أعقبَ هذا منك ؟ - ما الذي جعلك تغير موقفك مني ؛ فأنت سجنتني و عذبتني ؛ والآن تقبل رأسي ؛ فما الذي سبب هذا التغيير منك في معاملتي ؟؟ - ، فقال الوالي خزيمة بن بشر : كريمُ فِعالك ؛ وسوء مكافأتي !!. فقال عكرمة : فغَفَرَ اللهُ لنا ولك .
ثم أمر خزيمة الحدَّاد ؛ ففكَّ القيدَ عن عكرمة ، وأمره أن يضَعَه في رِجْل نفسه !! . فقال عكرمة : تريد ماذا ؟ قال خزيمة : أريد أن يَنالَني الضُّرُّ مثل ما نالك . قال عكرمة : أقسم عليك بالله ألا تفعل .
فخرجا جميعاً من السجن ، إلى أن وصلا دار خزيمة ، فودّعه عكرمة ، و أراد الانصراف ، فقال له ابن بشر : ما أنت ببارح !!. قال عكرمة : وما تريد ؟ قال : أغيِّر من حالك ، وحيائي من ابنة عمِّك – زوجتك - أشدُّ من حيائي منك !! .
ثم أمر خزيمة بالحمَّام فأُخلِي ، و دخلا جميعاً ، ثم قام خزيمةُ فتولّى خدمة عكرمة بنفسه ، ثم خرجا ، فخلع عليه – أعطاه جميل الهدايا و ثمينها - ، وجَمَّله ، وأعطاه مالاً كثيراً ، ثم سار معه إلى داره ، واستأذنه في الاعتذار إلى ابنة عمه ، فأذن له ،فاعتذر لها ، و صار يذمّ نفسه على ما فعله ، ثم طلب من عكرمة أن يسافر معه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك - وهو يومئذ مقيم بالرملة من فلسطين - ، فوافق عكرمة .
و في اليوم الثاني توجه عكرمة الفياض مع خزيمة بن بشر إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك ، فسارا جميعاً ، حتى قدما على سليمان بن عبد الملك ، فدخل الحاجبُ وأعلم الخليفة بقدوم خزيمة بن بشر ، فراعه ذلك وقال : والي الجزيرة يقدم بغير أمرنا ؛ مع قُرب العهد به ؟ ما هذا إلا لحادث عظيم !! . فلما دخل خزيمة ؛ قال له الخليفة قبل أن يسلِّم : ما وراءك يا خزيمة ؟قال : خيرٌ ؛ يا أمير المؤمنين . قال : فما الذي أقدمك ؟ قال : ظفرت بـ " جابر عثرات الكرام " ، فأحببت أن أَسرَّك به ، لما رأيت من تلهفك وشوقك إلى رؤيته . فقال الخليفة : ومن هو ؟ قال : هو عكرمة الفياض . فأذن الخليفة له بالدخول ، فدخل عكرمة، وسلّم على الخليفة بالخلافة ، فرحّب به ، وأدناه من مجلسه ، وقال : يا عكرمة ؛ ماكان خيرُك له إلا وبالاً عليك !!؟؟ .
ثم قال : اكتُب حوائجَك كلَّها ، وماتختاره في رقعةٍ . قال : أَوَ يعفيني يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا بدَّ أن تكتب . ثم دعا الخليفة بدواة وقرطاس ، وقال لخزيمة : اعتزِلْ ، و اكتُبْ جميعَ حوائجك . ففعل خزيمة ذلك ، فأمر الخليفة بقضائها جميعاً من ساعته ، وأمر لعكرمة بعشرة آلاف دينار ، وسِفطَين من ثياب ، ثم دعا بقناة وولّاه على الجزيرة و أرمينية وأذربيجان ،وقال له : أَمرُ خزيمة إليك ؛ إن شئتَ أبقيتَه ؛ وإن شئت عزلتَه ؟ فقال عكرمة : بلأردُّه إلى عمله يا أمير المؤمنين .
ثم انصرفا جميعاً إلى الجزيرة ، ولم يزالا عاملَين لسليمان بن عبد الملك مدّةَ خلافته .
هيييييييه!!!!!!!
رجال!!!!!