- إنضم
- 30 نوفمبر 2014
- المشاركات
- 4,420
- التفاعل
- 26,638
- النقاط
- 122
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل اللهم على نبينا محمد واله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا
قال الله – عز وجل - :- " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (*) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصل اللهم على نبينا محمد واله وصحبه الكرام وسلم تسليما كثيرا
قال الله – عز وجل - :- " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (*) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
عن عبيد الله بن محمد العبقسي، عن بعض تجار الكرخ ببغداد، قال: كنت أعامل رجلًا من الخراسانية، أبيع له في كل موسم متاعًا، فأنتفع من سمسرته بألوف دراهم.
فلما كان سنة من السنين تأخر عني، فأثر ذلك في حالي، وتواترت عليّ محن، فأغلقت دكّاني، وجلست في بيتي، مستترًا من دَيْن لحقني، أربع سنين.
فلما كان في وقت الحاجّ، تتبعت نفسي خبر الخراساني، طمعًا في إصلاح أمري به، فمضيت إلى سوق يحيى، فلم أعط له خبرًا، فرجعت، فنزلت الجزيرة وأنا تعب مغموم.
وكان يومًا حارًّا، فنزلت إلى دجلة، فتغسّلت، وصعدت، فابتلّ موضع قدمي، فقلعت رجلي قطعة من الرمل، انكشفت عن سَيرٍ.
فلبست ثيابي، وجلست مفكرًا أولع بالسير، فلم أزل أجرّه حتى ظهر لي هميان - كيس يُجعَل فيه المال ويُشدّ على الوسط - موصول به، فأخذته، فإذا هو مملوء دنانير، فأخفيته تحت ثيابي، ووافيت منزلي، فإذا فيه ألف دينار.
فقويت نفسي قوة شديدة، وعاهدت الله- عز وجل- أنه متى صلحت حالي، وعادت، أن أعرّف الهميان، فمن أعطاني صفته، رددته عليه.
واحتفظت بالهميان، وأصلحت أمري مع غرمائي، وفتحت دكّاني، وعدت إلى رسمي من التجارة والسمسرة، فما مضت إلا ثلاث سنين حتى حصل في ملكي ألوف دنانير.
وجاء الحجّ، فتتبعتهم لأعرّف الهميان، فلم أجد من يعطيني صفته، فعدت إلى دكّاني.
فبينما أنا جالس، إذا رجل قائم حيال دكاني، أشعث، أغبر، عوافي السبال، في خلقة صفات الخراسانية وزيّهم، فظننته سائلًا، فأومأت إلى دريهمات لأعطيه، فأسرع الانصراف، فارتبت به فقمت، ولحقته، وتأمّلته، فإذا هو صاحبي الذي كنت أنتفع بسمسرته في السنة بألوف دراهم.
فقلت له: يا هذا، ما الذي أصابك؟ وبكيت رحمةً له.
فبكى، وقال: حديثي طويل، فقلت: البيت، وحملته إلى منزلي، فأدخلته الحمام، وألبسته ثيابًا نظافًا، وأطعمته، وسألته عن خبره.
فقال: أنت تعرف حالي ونعمتي، وإني أردت الخروج إلى الحجّ في آخر سنة جئت إلى بغداد، فقال لي أمير البلد: عندي قطعة ياقوت أحمر كالكفّ، لا قيمة لها عظمًا وجلالةً، ولا تصلح إلا للخليفة، فخذها معك، فبعها لي ببغداد، واشتر لي من ثمنها متاعًا طلبه، من عطر، وطرف، بكذا وكذا، وأحمل الباقي مالًا.
فأخذت القطعة الياقوت، وهي كما قال، فجعلتها في هميان جلد، من صفته كيت وكيت، ووصف الهميان الذي وجدته، وجعلتُ في الهميان ألف دينار عينًا من مالي، وحملته في وسطي.
فلما جئت إلى بغداد، نزلت أسبح عشيًّا في الجزيرة التي بسوق يحيى، وتركت الهميان وثيابي بحيث ألاحظها، فلما صعدت من دجلة، لبست ثيابي عند غروب الشمس، وأنسيت الهميان، فلم أذكره إلى أن أصبحت، فعدت أطلبه، فكأن الأرض ابتلعته.
فهوّنت على نفسي المصيبة، وقلت: لعل قيمة الحجر ثلاثة آلاف دينار، أغرمها له، فخرجت إلى الحجّ، فلما رجعت، حاسبتك على ثمن متاعي، واشتريت للأمير ما أراده، ورجعت إلى بلدي، فأنفذت إلى الأمير ما اشتريته، وأتيته فأخبرته بخبري، وقلت له: خذ مني تمام ثلاثة آلاف دينار، عوضًا عن الحجر.
فطمع فيّ، وقال: قيمته خمسون ألف دينار، وقبض عليّ وعلى جميع ما أملكه من مال ومتاع، وأنزل بي صنوف المكاره، حتى أشهد عليّ في جميع أملاكي، وحبسني سبع سنين، كان يُردَّد عليّ فيها العذاب.
فلما كان في هذه السنة، سأله الناس في أمري، فأطلقني.
فلم يمكنني المقام ببلدي، وتحمّل شماتة الأعداء، فخرجت على وجهي، أعالج الفقر، بحيث لا أعرف، وجئت مع الحج الخراساني، أمشي أكثر الطريق، ولا أدري ما أعمل، فجئت إليك لأشاورك في معاش أتعلّق به.
فقلت: قد ردّ الله عليك بعض ضالّتك، هذا الهميان الذي وصفته عندي، وكان فيه ألف دينار أخذتها، وعاهدت الله تعالى، أنني ضامنها لمن يعطيني صفة
الهميان، وقد أعطيتني أنت صفته، وعلمت أنه لك، وقمت، فجئته بكيس فيه ألف دينار.
وقلت له: تعيّش بهذا في بغداد، فإنك لا تعدم خيرًا إن شاء الله.
فقال لي: يا سيدي الهميان بعينه عندك، لم يخرج عن يدك؟ قلت: نعم.
فشهق شهقة، ظننت أنه قد مات معها، وغشي عليه، فلما أفاق بعد ساعة، قال لي: أين الهميان؟ فجئته به، فطلب سكينًا، فأتيته بها، فخرق أسفل الهميان، وأخرج منه حجر ياقوت أحمر، أشرق منه البيت، وكاد يأخذ بصري شعاعه، وأقبل يشكرني، ويدعو لي، فقلت له: خذ دنانيرك.
فحلف بكل يمين، لا يأخذ منها إلا ثمن ناقة، ومحمل، ونفقة تبلغه فبعد كل جهد أخذ ثلاثة مائة دينار، وأحلّني من الباقي، وأقام عندي، إلى أن عاد الحاجّ، فخرج معهم.
فلما كان العام المقبل، جاءني بقريب مما كان يجيئني به سابقًا من المتاع، فقلت له: أخبرني خبرك.
فقال: مضيت، فشرحت لأهل البلد خبري، وأريتهم الحجر، فجاء معي وجوههم إلى الأمير، وأعلموه القصة، وخاطبوه في إنصافي.
فأخذ الحجر، وردّ عليّ جميع ما كان أخذه مني، من متاع، وعقار، وغير ذلك، ووهب لي من عنده مالًا، وقال: اجعلني في حلّ مما عذّبتك وآذيتك، فأحللته.
وعادت نعمتي إلى ما كانت عليه، وعدت إلى تجارتي ومعاشي، وكل هذا بفضل الله تعالى ثم بركتك، ودعا لي.
وكان يجيئني بعد ذلك، حتى مات.
***