• انت....زائر..... هل ذكرت الله اليوم...... هل صليت على نبي الله اليوم ابدا الان وسجل ما يسرك ان تلقى الله به
  • سبحانه الله وبحمده سبحان الله العظيم واستغفر الله
  • اللهم ان ظلمت من ضعفي فانصرني بقوتك
  • اللهم إني أسألُك من فضلِك و رحمتِك ؛ فإنَّه لا يملُكها إلا أنت
  • أحب ما تعبدني به عبدي النصح لي وفي رواية لكل مسلم رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي والحكيم وأبو نعيم
  • {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة
  • أربع خصال واحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي وواحدة لي وواحدة لك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي ترضى لهم ما ترضى لنفسك رواه أبو نعيم عن أنس
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الحديث بتمعن.......................... إﻧﻤﺎ أﺗﻘﺒﻞ اﻟﺼﻼة ﻣﻤﻦ ﺗﻮاﺿﻊ ﺑﮭﺎ ﻟﻌﻈﻤﺘﻲ وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻲ وﻟﻢ ﯾﺒﺖ ﻣﺼﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﯿﺘﻲ وﻗﻄﻊ ﻧﮭﺎره ﻓﻲ ذﻛﺮي ورﺣ ﻢ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ واﺑﻦ اﻟﺴﺒﯿﻞ واﻷرﻣﻠﺔ ورﺣﻢ اﻟﻤﺼﺎب ذﻟﻚ ﻧﻮره ﻛﻨﻮر اﻟﺸﻤﺲ أﻛﻠﺆه ﺑﻌﺰﺗﻲ وأﺳﺘﺤﻔﻈﮫ ﺑﻤﻼﺋﻜﺘﻲ أﺟﻌﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻧﻮرا وﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎﻟﺔ ﺣﻠﻤﺎ وﻣﺜﻠﮫ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻲ ﻛﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮدوس ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ رواه اﻟﺒﺰار ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس
  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
  • قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
  • سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53]
  • أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما خلق، و برأ و ذرأ، و من شر ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض و من شر ما يخرج منها، و من شر فتن الليل و النهار و من شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان". رواه أحمد.
  • وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون
  • عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أوثمانيا، -يعني حججاً-. رواه الحاكم
  • عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. رواه أبو داود وابن ماجه
  • في رواية لأبي داود: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا .
  • قال ﷺ : " اللهم فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ربَّ كلِّ شيء ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفْسي، وشرِّ الشيطان، وشِرْكَْه ، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرّه إلى مسلم "
  • من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته ثواب الشاكرين رواه ابن حذيفة عن شاهين عن أبي سعيد الخدري
  • وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا قال لا إله إلا الله رواه تمام عن أنس بن مالك
  • اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) رواه الطبراني
  • اللهم اني مغلوب فانتصر
  • وانذر عشيرتك الأقربين ----------- اللهم فاشهد انني بلغت وحذرت
  • اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الدعاء ... اللهم انك اقدرت بعض خلقك على السحر والشر ولكنك احتفظت لذاتك باذن الضر اللهم اعوذ بما احتفظت به مما اقدرت عليه شرار خلقك بحق قولك وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
  • اللهم انت خلقتني وانت تهديني وانت تطعمني وانت تسقيني وانت تميتني وانت تحييني ***** لا اله الا الله******
  • إلهي عبد من عبادك ، غريب في بلادك ، لو علمت أن عذابي يزيد في ملكك ، وعفوك عني ينقص من ملكك لما سألتك المغفرة ، وليس لي ملجأ ولا رجاء إلا أنت ، وقد سمعت فيما أنزلت أنك قلت : إني أنا الغفور الرحيم ، فلا تخيب رجائي.
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا القران.......................... ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد.................. ............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد .............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد

طبيبة اطفال

طبيبة اطفال
طاقم الإدارة
الاشراف
عضوية ماسية
عضو
إنضم
10 سبتمبر 2013
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
8,785
النقاط
122
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قِصَّة من القصص القرآنية، ذات مدلولاتٍ عجيبة، ووقائعَ فريدة، مليئة بالعِظات والعِبر.

قصَّة تتعلَّق بشخصية كريمة، لنبيٍّ من الأنبياء، وما واجَهَه في حياته من حوادثَ ووقائع، وابتلاءات ومِحَن، جاءتْ تفصيلاتها في سورة سُمِّيت باسمه، إنَّها قصَّة الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف - عليه السلام.

وقد وردت القصة في القرآن الكريم في سورة كاملة، وذُكر اسم يوسف عليه السلام في القرآن الكريم ستاً وعشرين مرة، منها أربعاً وعشرين في سورة يوسف.

وكان نزول هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته من مكة إلى المدينة.

جاء في الآية الثالثة من السورة: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ ، وخُتِمتْ في آخِر آية منها بقوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ .

تفاصيل قصة سيدنا يوسف عليه السلام..

سيدنا يعقوب رزقه الله عشرة بنين ثم تزوج سيدنا يعقوب من راحيل ابنة خاله فولد يوسف ثم شقيقه بنامين .
و هكذا اصبح لسيدنا يعقوب اثنا عشر ولداً . .
عاش آل يعقوب في أرض فلسطين . . تلك الأرض الطيبة المليئة بالمروج الخضراء و المراعي و أشجار الزيتون .سيدنا يوسف كان الولد المحبب لدي أبوه، وكان يحبه حباً جماً،
وكان يتوسّم فيه النبوّة ربّما يختاره الله نبياً من بعده . .
كان يوسف جميلاً ليس في وجهه فقط بل في روحه و اخلاقه و صفاته لهذا كان محبوباً من الجميع . .
كان يوسف يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه!

قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾
في ليلة من الأيام رأي سيدنا يوسف في منامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، فإستيقظ سيدنا يوسف عليه السلام وبدأ يقص رؤياه علي والده، فنصحة والده ألا يقص هذة الرؤيا علي إخواته حتي لا تزداد غيرتهم من سيدنا يوسف عليه السلام خوفاً عليه
فأوَّلها يعقوب - عليه السلام - بأنَّ الشمس: أمُّه، والقمر: أبوه، والكواكب: إخوته، وأنَّه ستنتقل به الأحوالُ إلى أن يصيرَ إلى حال يخضعون له، ويسجدون له إكرامًا، فكانتْ هذه الرؤيا مقدِّمة لما وصل إليه يوسف - عليه السلام - مِنَ الارتفاع في الدنيا والآخرة، فقال يعقوب - عليه السلام - عندئذٍ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ ، فيعقوب - عليه السلام - خَشِي أن يَحسُدَهُ إخوتُهُ؛ لأنَّ الشيطان عدوٌّ لا يفتر

حين نتأمَّلْ هذا الخطاب الأبويَّ، والأسلوب التربويَّ الرائع، الذي هو أقربُ إلى الإقناع، ومن ثَمَّ التطبيق والانتفاع، فيعقوب - عليه السلام - حين نهاه عَلَّل له ذلك، وبيَّن السبب: ﴿ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾، ثُمَّ علَّل أيضًا لِمَ يكيدون له: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾، ثم قال: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

لكن الشيطان قد وسوس لإخوة يوسف (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)

ودبروا ذلك ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ﴾

فذهبوا إلي أبوهم يطلبون منه أن يترك لهم يوسف يلعب معهم، فقلق والدهم على يوسف وقال لهم أنه يخاف على يوسف في أن ينشغلوا بالصيد فيأكله الذئب هنا تجمعوا قائلين كيف يأكله الذئب ونحن بهذا العدد فنحن سوف نحميه، هنا وافق الأب وتركه يذهب معهم ..وأرسل يوسفَ معهم إلى البرية.

وعندما خرجوا به نفَّذوا مخططَهم، فأنزلوه في بِئر وتركوه، ورجعوا في اللَّيْل يُظهرون الحزنَ، ويرفعون أصواتهم بالبُكاء؛ ليكونَ إتيانهم متأخرًا عن عادتهم وبكاؤُهم دليلاً لهم، وقرينةً على صِدقهم، ﴿ وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾

قد نسوا في انفعالهم أن يمزقوا قميص يوسف.. جاءوا بالقميص كما هو سليما، ولكن ملطخا بالدم.. وانتهى كلامهم بدليل قويعلى كذبهم حين قالوا: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)
أي وما أنت بمطمئن لما نقوله، ولو كان هو الصدق، لأنك تشك فينا ولا تطمئن لما نقوله.
أدرك يعقوب من دلائل الحال ومن نداء قلبه ومن الأكذوبة الواضحة، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدة ما، وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرا منكرا وذللته ويسرت لهم ارتكابه؛ وأنه سيصبر متحملا متجملا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب: ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )...


أثناء وجود يوسف بالبئر، مرت عليه قافلة.. قافلة في طريقها إلى مصر.. قافلة كبيرة.. سارت طويلا حتى سميت سيارة.. توقفوا للتزود بالماء.. وأرسلوا أحدهم للبئر فأدلى الدلو فيه.. تعلق يوسف به.. ظن من دلاه أنه امتلأ بالماء فسحبه.. ففرح بما رأى.. رأى غلاما متعلقا بالدلو.. فسرى على يوسف حكم الأشياء المفقودة التي يلتقطها أحد.. يصير عبدا لمن التقطه.. هكذا كان قانون ذلك الزمان البعيد. فرح به من وجده في البداية، ثم زهد فيه حين فكر في همه ومسئوليته، وزهد فيه لأنه وجده صبيا صغيرا.. وعزم على التخلص منه لدى وصوله إلى مصر.. ولم يكد يصل إلى مصر حتى باعه في سوق الرقيق بثمن زهيد،دراهم معدودة.
﴿ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ ﴾...

ثم يكشف الله تعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدران العبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر، صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل.. انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أن الحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

وكان الذي اشتراه وزيرَ الملِك، فأرسله إلى بيته، وأوْصَى زوجته بالإحسان إليه، فصار ليوسفَ بعدَ ذلك مقامٌ كريم في منزل وزيرِ الملِك، وأُلْهِم - عليه السلام - تفسيرَ الرُّؤى؛ ﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ ، لا يعلمون حِكمتَه في خلقه، وتلطُّفَه لِمَا يريده.

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ أي: وَلَمَّا بَلَغَ يوسف أَشُدَّهُ؛ أي: كمالَ قوَّته المعنوية والحِسيَّة، وصلح لأنْ يتحمَّلَ الأحمال الثقيلة، مِن النبوَّة والرِّسالة - آتيناه حُكْمًا وَعِلْمًا؛ أي: جعلناه نبيًّا رسولاً، وعالِمًا ربانيًّا.
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾؛ أي: المحسنين في عبادة الخالِق، والمحسنين إلى عباد الله، يُؤتيهم مِن جُملة الجزاء على إحسانهم علمًا نافعًا، وكان الإحسانُ ونفْع الناس من سجايا يوسف - عليه السلام - كما وصَفَه أصحابُ الرؤيا في السِّجن: ﴿ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾


من اشد ما جرَى ليوسف - عليه السلام - إنَّه تعرَّض لفتنة عظيمة، وهو في بيْت وزير الملِك، وكان ذلك بسبب جَماله الباهِر.
وذلك أنَّ امرأة العزيز رأتْ جمالَ يوسف، فخفق قلبُها، واضطرمتْ مشاعرها، إلى أنْ أظهرتْ شعورَها نحوَ يوسف وحبَّها له، فانتهزتْ فرصةَ خلوتها به في بيتها يومًا، فغلَّقتِ الأبواب، وأخذتْ تُغريه بنفسها، فعرضتْ عليه محاسنَها ومفاتنَها، وقالت له: أقْبِل عليَّ فقد هيأتُ لك نفسي، ووالله، إنَّها لفتنةٌ لا يقوى على تحمُّلها وتجاوزها إلا مَن وفَّقه الله - عزَّ وجلَّ - فهو غريب، والغريب لا يحتشِم غالبًا حشمَه إذا كان في وطنه وبيْن معارفه، وهو أيضًا أسير تحتَ يدها، وفيها مِن الجمال ما يدعوه إلى وقاعها، وهو شابٌّ عزبُ، وقد توعدتْه - إن لم يفعل ما تأمره به - بالسجن، أو العذاب الأليم.

ومن السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّ عرْشه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((رجلٌ دعتْه امرأة ذاتُ منصِب وجمال، فقال: إني أخاف الله))، فيوسف - عليه السلام - نفَرَ منها نفرةَ المستنكِر لهذا الأمر، فصبر عن معصية الله، مع وجود الدواعي القويَّة.

والذي حَصَل منه مجرَّد همٍّ فيها، تَرَكه لله، وقدَّم مرادَ الله على مراد النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، وإنما الهمُّ الذي يُلام عليه العبد، الهمُّ الذي يساكنه، ويصير عزْمًا، وربَّما اقترن به الفِعْل، وقد رأى يوسفُ مِن برهان ربه ما أوجب له البُعدَ والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة، وذلك بما معه مِنَ العلم والإيمان..

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾

فهو من المخلَصين؛ لأنَّه من الأنبياء، ومن المخلِصِين لأنَّه يُريد العفافَ، وترْك الحرام، والإخلاصُ سببٌ للخلاص، لقد أسْرع يوسف - عليه السلام - إلى الباب يُريد الإفلاتَ منها، وأسرعتْ وراءَه؛ لتحولَ دون خروجه، وجذبتْ قميصَه من الخَلْف؛ لتمنعَه من الخروج، فتمزَّق، لكنَّه تمكَّن من الخروج، وفي هذه الحال وجَدَا عند الباب زوجَهَا، فبادرتْه باتهام يوسف بمحاولة اغتصابها، وحرضتْه على سجْنِه، لكن يوسف - عليه السلام - دَفَع التهمةَ عن نفسه بأنَّها هي التي حاولتْ أن تخون زوجَهَا، وأنَّه امتنع عن الاستجابة لها، وبينما هما يتبادلانِ الاتهامَ حضَرَ الجدالَ قريبٌ لها، فحكم بينهما: إن كان قميصُه شُقَّ من الأمام فقد صَدَقَتْ؛ لأنه يكون لما دعاها وأبتْ عليه، دفعتْه في صدره، فقدَّتْ قميصه، وإن كان قميصه شُقَّ من الخَلْف، فقد كذَبَتْ في قولها، وهو من الصادقين؛ لأنَّ هذا يعني أنَّه كان يحاول الفرار، فأمسكتْ به من ورائِه؛ لتردَّه إليها.
فلمَّا رأى الزَّوجُ أنَّ قميص يوسف شُقَّ من الخلْف، عَلِم صِدق يوسف - عليه السلام - وتبيَّن له كيْدُ زوجته، لكنَّه رغب في ستْر الفضيحة، فقال ليوسف: تناسَ ما جَرَى لك واكتمْه، وقال لامرأته: استغفري الله لذنبك وتُوبي، إنَّك كنتِ من الآثمين.
﴿ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾...

انتشر خبرُ الحادثة التي وقعتْ في بيت الملِك إلى جماعةٍ مِن نساء المدينة، وتناقلْنَه في مجتمعاتهنَّ، أنَّ امرأةَ العزيز أغرَتْ خادمَها، وراودتْه عن نفسِه؛ ليطيعَها فيما تريده منه، وقد خالَطَ حبُّه شغافَ قلْبها، وصل هذا إلى سمْع امرأةِ العزيز، فقرَّرت أن تُريهنَّ يوسفَ - عليه السلام - ليلتمسْنَ لها العذر، فاستضافتهنَّ يومًا، وبعد أن استقرَّ المقام بالمدعوات أمرتْ بالطعام، وأعطتْ كلَّ واحدة سِكِّينًا؛ لتقطعَ بها، وفي هذه الأثناء أمَرتْ يوسفَ أن يخرج إليهنَّ، فانبهرْنَ بجماله الرائع، فجرحن أيديهنَّ من فرط الدَّهْشة والذهول.

ولِمَّا رأتِ امرأة العزيز أنَّ النساء شاركْنَها في الإعجاب به، حينئذٍ باحَتْ لهنَّ بمكنون فؤادها قائلةً: هذا هو الفتى الذي تَلُمْنَني في حبِّه، هذا الذي حاولتُ إغراءَه فامتنع، وأُقسِم إن لم يفعلْ ما آمرُه، ليُعاقبنَّ بالسجن، وليكون من الأذلاَّء.
لكن يوسف - عليه السلام - لم يَلِنْ، ولجأ إلى ربِّه مناجيًا، بأنَّه يُفضِّل السجن على معصيته، ثم دعا ربَّه أنْ يصرفَ عنه شرَّ مكرهنَّ، فاستجاب الله دعاءَه، فصرف عنه المعصية، إنَّه - سبحانه - السميع لدعوات الملتجئين.

قال - تعالى -: ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾ ..

واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهن أرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليه السلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).

أمام هذه الدعوات استنجد يوسف بربه ليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسان العارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته، ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب له الله.. وصرف عنه كيد النسوة..
ربما كان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجد أصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كل الآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ )
كان السجن بالنسبة إليه مكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.

وللحديث بقية...
 

طبيبة اطفال

طبيبة اطفال
طاقم الإدارة
الاشراف
عضوية ماسية
عضو
إنضم
10 سبتمبر 2013
المشاركات
1,841
مستوى التفاعل
8,785
النقاط
122


وفي أحد الأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجهه الخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهم الرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادته وحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولى بقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهما إلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخل إلى النفوس بلا مقاومة.
﴿ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ، فوصفوه بالإحسان؛ لأنَّه على خُلُق عالٍ كريم، وسيأتي بيان شيء من ذلك ﴿ قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ قال مجاهد: يقول: ﴿ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ ﴾ ، ﴿ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴾.
ثم أخبر يوسفُ أنَّه ابتعد عن مِلَّة الكفر: ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ ، فذكر يوسف أنَّ هذه الحال التي هو عليها، كلها مِن فضْل الله وإحسانه، حيث منَّ عليْه بتَرْك الشِّرْك وباتِّباع ملة آبائه، وبهذا وصل إلى ما قد رأياه، ومِن هنا فينبغي لهما أن يسلُكا ما سلك، لقد اغتنم يوسف فرصةَ بقائه في السجن، في الدَّعوة إلى الله - عزَّ وجلَّ - ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ...

بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدها سيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحب البشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء. وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا، والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
أوصى يوسف من سينجو منهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياة القصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. وكان من جملة مكايد الشيطان؛ لئلا يخرجَ نبي الله من السجن، وأتَمَّ الله أمره وقضاءه، ﴿ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ﴾..

والبِضع من الثلاث إلى التِّسع، قيل: إنَّه لبث سبع سنين، ولما أراد الله أن يُتمَّ أمره، ويأذن بإخراج يوسف من السجن، قدَّر لذلك سببًا، به ارتفع شأنُه، وعلا قدرُه، ألا وهو رؤيا الملك، حيث إنَّه رأى في منامه سبع بقرات سمينات تأكلهن سبعُ بقرات هزيلات، ورأى أيضًا سبعَ سنابل خضراء، وسبع سنابل يابسة، وطلب مِن قومه أن يعبروها، فقالوا: إنَّها أضغاث أحلام، فهم قد جمعوا بيْن الجهل والجزم، ولم يقولوا: لا نعلم تأويلها.
وتعبير الرؤيا داخلٌ في الفتوى، ولا يجوز الخوضُ فيها بلا علم.
﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ ﴾ ، وحينئذٍ تذكَّر الساقي يوسف - عليه السلام .
تداعت أفكاره وذكره حلم الملك بحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملك وحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.
وأرسل الملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحق سبحانه كيف نقل الساقي رؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسير حلم، وهو يريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسف بالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.
جاء الوقت واحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلم الملك.. فلم يشترط خروجه من السجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولم يقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذا ببراءة النبي حين يلجأ إليه الناس فيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيه وجلاديه.
لم يقم يوسف -عليه السلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنما قدم مع التفسير النصح وطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسول الملك أن مصر ستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريين ألا يسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنه المصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبها السوس أو يؤثر عليها الجو.
بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسف تأويله لحلم الملك بالحديث عن عام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عام يغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهم وزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لا يقابله رمز في حلم الملك. علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملك والناس.


كان تعبير الرؤيا: ﴿ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا ﴾؛ أي: متوالية ﴿ فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ ..

عاد الساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذا السجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أو جزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجن وإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقي الذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه في سجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرج من السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربية وهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحا في الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عند ربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير..﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ ، حصحص الحق؛ أي: تبيَّن الحق وظهر.

عندها قابلَه الملِك، وسمع منه، آنس منه ذكاءً وفهمًا، فازداد ثقةً به، ثم كلَّفه بوزارة المال، وجعله يتصرَّف في أرض مصر كما يريد؛ ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون ﴾ ، فخرج يوسف من السجن، وعلاَ شأنُه، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.
تحقَّق تأويل يوسف لرؤيا الملِك، وتحقُّقُ الرؤيا قد يكون أحيانًا بعد سنين، وجاءتِ السنوات السبع الخِصْبة، فرَعَاها يوسف بحُسن تدبيره، وخزَّن الفائضَ من الغلاَّت، وجاءتِ السِّنون السبع الأخرى المجدِبة، فحصل جوعٌ وقَحْط، خصوصًا في البلاد المجاورة؛ لعدم استعداد أهلها لمِثْل هذه السنين، وكان ممَّن قَدِم بلادَ مصر إخوةُ يوسف - عليه السلام - فدخلوا على يوسف، وهو جالسٌ في رئاسته، فعَرَفهم حين نظر إليهم، ﴿وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ ؛ أي: لا يعرفونه؛ لأنَّهم فارقوه في صِغره حين ألْقَوه في البئر، ولم يكونوا يظنُّون أنْ يصير إلى ما صار إليه، فتحادث معهم، ثم وَفَّاهم كَيْلهم، وأكرمهم، وحمل لهم أحمالَهم، وكان هذا ترغيبًا منه، وقال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتُم؛ لأعلمَ صِدقكم، ثم قال تحذيرًا: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴾ ، فوعدوه بالمحاولة والسعي في ذلك.

ثم أمَرَ يوسف فتيانَه أن يردُّوا البضاعة التي أتوا بها في رِحالهم؛ قيل: خشي يوسف - عليه السلام - ألاَّ يكون عندهم بضاعةٌ أخرى يرجعون بها إليه فيما بعد، وقيل: كَرِه أن يأخُذَ من أبيه وإخوته عوضًا عن الطعام، فلمَّا رجعوا أخبروا والدَهم أنَّ عزيز مصر طلَب أخاهم بنيامين، وأنَّه أنذرهم ألاَّ يعطيهم شيئًا إن لم يأتوا به، لكن يعقوب لم يطمئنَّ، فقال لهم: ﴿ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ﴾ : يقصد: يوسف.

وسوء الظنِّ مع وجود القرائن الدالَّة عليه غيرُ ممنوع ولا محرَّم، ولكن يعقوب استجاب لهم بعدَ ذلك، وأخذ عليهم الميثاقَ أن يردُّوه، إلا أن يُغلبوا كلُّهم، ولا يستطيعوا تخليصَه؛ ﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ ﴾ ، أكَّده عليهم، فقال: ﴿ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾...
وأوصاهم أن يتفرَّقوا عندَ الدخول من الأبواب؛ قيل: خشيةً عليهم من العَيْن، وهذا الاحتراز لا يردُّ قَدَر الله وقضاءَه، ولكنَّه مِن الأخذ بالأسباب، والأسباب مِن القَدَر.
﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾
فأقسم إخوةُ يوسف أنَّهم ما جاؤوا ليُحدِثوا فسادًا ولا ليَسرِقوا، فسألوا إخوةَ يوسف عن جزاء السارق، فقالوا: جزاؤه أن يتملَّكه صاحبُ المال المسروق، فبدؤوا بتفتيشِ أمتعةِ الكِبار، فلمَّا وصلوا إلى بنيامين - وكان الأخيرَ - وجدوا صُواعَ الملِك، فتحقَّق ليوسف ما أراد مِن بقاء أخيه عنده، على وجهٍ لا يُنكره ولا يَشعُر به إخوتُه، وحاولوا متوسِّلين إليه بأنَّ أباه شيخ كبير، وحاولوا أن يأخذَ أحدَ الإخوة مكانَ بنيامين، لكنَّه امتنع وقال: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ .
ولم يقُلْ: "إلا مَن سرق"؛ تحرُّزًا من الكذب، وهذا مِن دِقَّة لفظه، فتشاوَرُوا بينهم، وبَقِي الكبيرُ في مصر؛ حتى يأذنَ له والده بالرُّجوع راضيًا عنه، أو يحكم الله له.
ولَمَّا أخبروا والدهم يعقوب - عليه السلام - تضاعَف حزنُه، واشتدَّ كمده، وصبر على بلائه، وقال لهم: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾
﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾
والشكوى إلى الله لا تُنافي الصبر، وإنَّما الذي يُنافيه الشَّكْوى إلى المخلوقين، التي لا يكون فيها فائدة.
﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ مِن أنَّه - سبحانه - سيردُّهما إليه.
﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ أي: احرصوا، واجتهدوا على التفتيش عنهما، ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ ، فإنَّ الرجاء يوجِب للعبد السعيَ والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجِب له التثاقلَ والتباطؤ، وأَوْلى ما رجَا العباد فضلُ الله وإحسانه، ورحمته ورَوْحُه؛ ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ فلا تتشبهوا بهم.
فبعد أن أَمَر يعقوب بَنِيه بالتحرِّي والبحث، ذهبوا إلى مصرَ ومعهم بضاعةٌ قليلة غير مرغوب فيها؛ ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ ، فردَّ عليهم يوسف: ﴿ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ ، فعندها أدركوا أنَّه يوسف واعتذروا.
والعجب: أنَّ يوسف أعلن عفوَه عنهم مباشرةً، مَع عِظَم ما فعلوا به؛ ﴿ قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ ، فتأمَّلْ هذه العظمةَ في الإحسان والصَّفْح.
ثم أمرَهم أن يرجعوا، وأعطاهم قميصَه، وأمرهم أن يلقوه على وجه أبيه؛ إذ إنَّه سيرجع بصرُه، فرجعوا، ولَمَّا قَربوا من دِيارهم في فِلَسْطِين، بدأتْ أنوار الفَرَج تظهر ليعقوب - عليه السلام - إذ إنَّ هذا الشيخ الكبير الذي لم يرَ ابنه يوسف قبل عشرات السنين قال: ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

ثم توجَّهوا إلى مصر، ووصلت أسرةُ يعقوب - عليه السلام - مصر، فرأَوا يوسفَ في استقبالهم.
ولا نستطيع أن نَصِف مبلغَ فرح يعقوب بلِقاء ابنه، بعدَ فراق سنين طوال، سار الرَّكْب داخلَ مصر، حتى أجلس يوسُفُ والديه بقُرْبه على سرير الحكم؛ زيادةً في تكريمهما، وسجدوا له إكرامًا، وقد كان هذا جائزًا في شرْع مَن قبلنا، لكنَّه نُسِخ.
﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ .

عجيبةٌ واللهِ أخلاقُ هذا النبي الكريم، وإحسانُه! فمع قُدرته على الانتقام، عفَا عنهم مباشرةً، بل إنَّه هو الذي يُراعي مشاعرَهم، فتأمَّل قوله: ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ كأنَّ الذنب والجهل صار من الطرفين، مع العلم أنَّه لا ذنب له.

وأيضًا ذَكَر إحسانَ الله إليه بإخراجه من السِّجن؛ ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ ، ولم يذكر إحسانَ الله إليه بإخراجه من البِئر حين أُلْقي بها، مع أنَّه أعظم.
والْتأَم شملُ الإخوة وحَسُن حالهم، والعِبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات، وأثنى يوسف على اللهِ – سبحانه - بأنَّه قد آتاه من المُلْك وعلَّمه من تأويل الأحاديث، ولم يطلب - عليه الصلاة والسلام - إلاَّ ما يتمنَّاه كلُّ مسلِم صادق مخلص أن يَموت على الإسلام، ويلحق بالرَّكْب الصالِح؛ ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾

أولئك الذين هدى الله، فبهُداهم اقْتَدِه، فاللهمَّ توفَّنا مسلمين، وألْحقنا بالصالحين.
 

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد
 
  • Love
التفاعلات: فطرة الله

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد
 
  • إعجاب
التفاعلات: فطرة الله

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد
 
  • إعجاب
التفاعلات: فطرة الله

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَدَدَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ
مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْمَلاَئِكَةِ مِنْ يَوْمِ خَلَقْتَ الدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَدَدَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّـدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّـدٍ
حَتَّى لاَ يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فِي الأَوَّلِينَ
وَصَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فِي الآخِرِينَ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
مَا شَاءَ اللهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
 

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد
 
  • إعجاب
التفاعلات: فطرة الله

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته واهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد
 
  • إعجاب
التفاعلات: فطرة الله

حوراء

عضوية ماسية
عضوية ماسية
عضو
إنضم
7 يناير 2014
المشاركات
26,171
مستوى التفاعل
47,234
النقاط
122
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
البشير !
جلس هناك في عمق البادية بما تلقي من ظلال كئيبة ، كانت تجربة عصيبة انتهت بذهاب نور عينيه الذي يرى به ما حوله ... لا يهم يكفيه أن يرى بنور قلبه ما تعجز العيون عن رؤيته ، ها هو قد طوى السنين طياً وبلغ من العمر عتياً ، وطال به الأمد ينتظر فرجاً لا يعلم أوانه ، والحياة على كبير السن تكون مؤلمة فكيف إن فقد معها نافذته على الحياة حوله ، وكأني به يتمثل قول زهير بن أبي سلمى بقوله :
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم
لكنه بالرغم من سئمه لتكاليف الحياة ، إلا أنه ما زال يعيش فكرة ، يعيش أملاً له عليه آثارة من علم لا يدركها من حوله .. فقد انتهى به الأمر أن أقرب الناس إليه وهم أولاده أصبحوا لا يفهمون عليه حتى بدا لهم أن أباهم لفرض حبه لمفقوده الذي طوت عليه السنين قد وصل حد ضياع العقل وهو ما زال يجري وراء أمله المحجوب ورجائه المفقود .
=====================================
إنهم لم يفهموا على والدهم ، فهو مع كبر سنه فقد نال خصوصية الرؤية بنور الله ، بنور البصيرة ، يدرك ما لا يدركون ، ويرى بقلبه ما لم يدركوه بأبصارهم في واضحة النهار .
كانت آخر كلماته مع أولاده الحاضرين حوله : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ... أي لولا أن تقولون أنك هرمت وأصابك داء الكِبر والخرف ... فكانت آخر كلماتهم معه : تالله إنك لفي ضلالك القديم ...
ويبقى الانتظار في لحظاته الأخيرة سيد الموقف ، ثلاثون سنة من الغياب والنسيان ولم تأت أي بادرة من هنا أو من هناك ترشد إلى يوسف ، اختفت آثاره وبدأت تطوي السنون سيرته وذكراه وطال أمد الانتظار ... ثم فجأة ومن عبق المأساة في فقدان بنيامين الصغير بدأت تتفجر عند نبي الله يعقوب ذاكرة يوسف عليه السلام ، هناك شيء غريب يحدث لا يدركه أولادي ... لماذا يطلب الملك منهم أن يأتوا بأخيهم الصغير ، ولماذا رد إليهم أموالهم التي اشتروا بها بضاعتهم ... ولماذا يتهم ولدي الذي أخبره جيداً من بين الجميع بالسرقة ويتم حجزه ... لماذا كان التركيز على بنيامين ... لا يمكن أن تكون كل هذه الأحداث بطريقة عابرة خاصة أنه لاحظ أن الملك منع منهم الكيل إلا أن يأتوا ببنيامين .. هناك سر يقبع خلف تلك الأحداث ، هذا السر لا يخفى على أي حاذق فكيف بنبي الله .. وهذا السر لا محالة ليس له تفسير إلا أن يكون له علاقة مباشرة بولده يوسف عليه السلام .. لكن كيف ؟ وما علاقة يوسف بمصر ؟ يا بني اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله ...
========================
لكن انتهى الأمر بالنبي أن فقد عينيه ، لكن لا مشكلة .. لو كان يوسف حياً فيكفي أن أضعه في حضني واشتم رائحته وأتحسس انفاسه ، وأهم من يوسف عليه السلام هو ثقتي بربي وإيماني بحسن تدبيره ويقيني بأنه ما قدر تلك الرؤية في غابر السنيين إلا أن الأيام ستجليها كما هي أراها بأم عيني ... أو بأم عين قلبي أن ذهب نور عيني .
لحظات الصمت والانتظار كانت رهيبة على نبي الله الإنسان والشيخ الطاعن في عمق الصحراء والبادية ... وفجأة وإذا بجلبة والأقدام تتحرك متلهفة نحوه ... ها هو شيء يلقى عليه لا يعرفه : يا أبت أبشر .... يوسف ... وهذا قميصه ....
إنها ذات الرائحة التي وجدتها .. إنها رائحة الحبيب ... ما هذا ؟ كأنني بدأت أرى نور الحياة من جديد ... كأن البصر قد عاد إلي ... ما أجملها من صدمة ! ما أروعها من مفاجأة ! لقد ردتي إلي روحي بعد غياب ، ردت إلي بصري بعدما طمسته الآلام !
[فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96( ]
=========================
آه منك يا قميص ! جيء بك قبل ثلاثين سنة لكي تفجعني بيوسف ، وجيء بك الآن لكي تحييني من جديد وتبشرني بيوسف من جديد .
يا أبت : يوسف هو نفسه عزيز مصر ... إنه كبيرها وهو الذي أخذ بنيامين .... وهكذا البشرى .. تأتي فجأة وتحيي من جديد ما أرمته أيام الابتلاء ... تأتي البشرى ومعها اللطف بأكثر مما يتصور إنسان ... يا يعقوب ستكحل عينيك برؤية ولدك وهذا ظنك باللطيف .. لتعلم أن الله هو أرحم الراحمين وهو اللطيف بعباده .
إنها تجربة الحياة ... إنها الرؤية حيث تنعدم عند الآخرين ، إنه إدراك عالم الغيب من خلف ستار رقيق ، وهذا لا يكون إلا لأصحاب النفوس الصقيلة والأرواح الشفافة التي ترى بنور الله وتعلم من الله ما لا يعلمه الآخرون ... وفي الغالب هذه التجربة يعجز أقرب الناس إليك عن فهمها ... بما يستلزم أحياناً الاستيئاس بمن حولك أن يفهموا عليك
#الدكتور محمد المبيض حفظه الله
 

مواضيع ممائلة

ر
الردود
0
المشاهدات
1K
ر