لم تكن معجزة الإسراء والمعراج رحلة عجيبة وحدثًا خارقا لناموس الطبيعة فقط، وإنما كانت مع ذلك إيذانا بتجلٍّي صفة اللطف الإلهي والعناية الربانية بهذا النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا سيما وقد وقعَت له بعد أن انثالت عليه سهام البلايا والمِحن من كل جانب، وقُدّر عليه أن يرث ميراث إخوانه المصطفَين من البلاء كاملا، لا من فقدِ أمانه الداخلي في موت خديجة رضي الله عنها، وقوته الخارجية واستظهاره على جبابرة قريش بأبي طالب فحسب، بل كان مع ذلك مكابدة آلام الحصار الظالم الذي لاقاه صلى الله عليه وسلم ومَن دخل معه فيه من بني هاشم، وما عانوه فيه من الإجاعة والمقاطعة الحسية والمعنوية التي تبدى فيه العتوُّ الوثني والنذالة الشركية على صورة فظيعة خلَت من كل طبيعة إنسانية وجِبِلّة آدمية.
وما كاد صلى الله عليه وسلم يخرج منه صابرا محتسبا حتى مُني بموت خديجة وهلاكِ أبي طالب، فاتجه إلى الطائف وثقيف علَّه يجد نصيرا ومؤازرا، فما كان إلا اللؤمُ والخسة والسفاهة والطيش، فأحدقَتْ به غيوم المصائب والتفّت به سهامها، ولا معين ولا نصير، وقد انقطعت أسباب الأرض ورتَع فيها جنود الشر واحلولَكت ظلاما وبغيا وكُفرا.
فكانت معجزة الإسراء والمعراج للاحتفاء به صلى الله عليه وسلم وللإعلام بأنا نعرف قدرك وإنْ جهله أهل الأرض، وبأنَّ دينك ظاهر وإن سعوا في إخماده، وبأنك بنا كثير، وبنا مؤيد، وأنك لعدوّك غالب وله قاهر، وبأن المستقبل لك ولأهل مِلّتك مهما ظُلموا وبُغي عليهم وامتُهنوا من أوباش الخلائق، فلهم بك قدوة، ولهم منا من العناية أثر مما كان لنا منك، ما بقُوا على منهاجك، واستمسكوا بصراطك : (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)) سورة الصف.