- إنضم
- 22 يونيو 2013
- المشاركات
- 17,339
- التفاعل
- 32,952
- النقاط
- 122
- الإقامة
- ارض الله
- الموقع الالكتروني
- www.almobshrat.net
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيرة السيدة خديجة رضي الله عنها
1- نسبها ونشأتها رضي الله عنها :
ولدت السيدة خديجة رضي الله عنها لأبوين قرشيين , فأبوها خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب , وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم " وهو جندب " بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي , وبذلك فهي تلتقي بالرسول بالجد الرابع لها قصي بن كلاب الجد الخامس له , وتلتقي به في الجد الثامن لها من ناحية أمها لؤي بن غالب .
وكان أبويها من أعرق بيوت قريش نسباً , وأعلاهم حسباً , فقد نبتت في بيت واسع الثراء , ملتزم بالأخلاق الفاضلة , ومعروف بالتدين , والبعد عن الانغماس في الملاهي , التي كانت بعض بيوتات قريش غارقة فيها .
ولم تذكر المصادر كثيراً عن طفولة السيدة خديجة غير أنها درجت في سنوات طفولتها الأولى في بيت كبير , فيه الغنى والنعيم , وكل وسائل العيش الرغيد , معروف بإطعام الطعام , ومساعدة الفقير والمحتاج .
وفي ظل هذه العائلة الكريمة عاشت السيدة خديجة رضي الله عنها حياة أبناء العوائل الشريفة الكبيرة منعمة مترفة , مع ما لأبيها من مكانة في قريش كونه أحد زعمائها ورجالها البارزين , ومما لا يقبل الشك أن قوة شخصيتها ومكانتها جاءت نتيجة لتأثير هذه العائلة فيها , فضلاً عن مميزاتها الذاتية .
وكان تأثير هذه الأسرة كبيراً على شخصيتها رضي الله عنها حيث كانت نشأتها الأولى في أسرتها مميزة جداً فقد أطلق عليها لقب " الطاهرة " قبل أن تتزوج بالرسول . ويتضح من هذا اللقب أنها نالت مكانة كبيرة في مجتمع مكة حتى استحقته فلقبت به دون باقي نساء قريش .
وليس من المستبعد أن يكون هذا اللقب قد أطلق عليها نتيجة لظروف أسرتها , حيث قتل اثنان من أخوتها في حرب الفجار , وربما قتل أبوها أيضاً فيها أو بعدها بقليل .
كذلك فإن أخاها عدياً ربما توفي في فترة مبكرة , لذلك لم يبقى لها سوى أخوها نوفل بن خويلد مما جعلها تتحمل مسؤولية نفسها , لأن علاقتها به كانت بعيدة وهذا ما نراه بوضوح في عدائه للإسلام وعدم مساعدته لأخته في المقاطعة التي فرضت على بني هاشم , وعدم ورود أي رواية تدل على علاقته بها مما اضطرها إلى أن تعتمد على نفسها في إدارة شؤونها , وإدارة أموالها التي ربما ورثتها عن عائلتها وأزواجها , ويتضح ذلك في مباشرتها للعمل التجاري الأمر الذي يؤكد استقلاليتها بنفسها وعدم وجود أشخاص يقومون به نيابة عنها .
وقد اكتسبت السيدة خديجة رضي الله عنها لقب الطاهرة عن جدارة واستحقاق , فلقد تزوجت في الجاهلية مرتين قبل اقترانها بسيد البشر محمد بن عبد الله , ومات زوجها الثاني وهي في مقتبل العمر والشباب , وكانت ترفل في ثوب العز والرفاهية , وسادت وساد قومها , وكثر مالها , ونزلت إلى مجال العمل والتجارة , وكثر الطلاب والراغبون فيها وكان لها مما احترفته مالا يمنعها أن تتصل بالرجال , وأن تقحم نفسها معهم في أمور التجارة ولكن ذلك لم يحصل , فلم تضع عينها على سيد من سادة قريش , ولم تشترك معهم في أمور تتصل بالتجارة , ولم تتخذ من التجارة ذريعة للاتصال بهم , ولتقوية الروابط بينها وبين الرجال من مكة أو غير مكة , لكنها رضي الله عنها اتخذت لها طريقاً جاداً بعيداً عن طريق الأهواء والرغبات , فلقد كانت تجارتها كثيرة ومتنوعة , ولم تتصل بتجار قومها , وكانوا كلهم تجاراً , ولم تشترك معهم في اجتماع خاص أو عام , ولم تسر في ركابهم , وإنما كان يقوم بأمور التجارة عبيدها , وعلى رأسهم مولاها المخلص ميسرة .
وكانت بيوت مكة كثيرا ما يقام فيها ليالي مرح ولهو وغناء , وكان القائمون عليها إما إخوة أو أولاد عمومة أو خؤولة , وكان بيت عبد العزى بن عبد المطلب المعروف في الإسلام بأبي لهب معروفاً بهذه الأمور ,
وكان قريباً من بيت خديجة رضي الله عنها , وكانت تمر أحياناً , وفيه من اللهو والسهر , وكان اللائي يحضرنه نساء الحي مشاركة لأم جميل زوجة أبي لهب , فلم يأتِ أبداً في بال السيدة خديجة رضي الله عنها العفيفة الطاهرة أن تلهو مع قريناتها من القرشيات .
ولقد عرف عنها ذلك نساء مكة , والمقربات إليها فكن يذهبن بأنفسهن إليها في بيتها ولها في نفوسهن منزلة عظيمة فينلن من كرمها وفضلها الشيء الكثير , فإذا ما خرجت إلى البيت العتيق لتطوف به , خرجن معها , وقد أحطن بها , فلا تلغو واحدة منهن في قولها , ولا تتكلم إلا بالجد من الكلام , ولا يحببن أن يسمعن من أحد لفظة نابية , قد تجرح سمع السيدة خديجة رضي الله عنها , ولقد ثارت النسوة وغضبن حينما طلع عليهن يهودي وهن عند البيت العتيق وناداهن قائلاً : " يا نساء قريش , سيظهر نبي في هذا الزمن , فمن أرادت أن تكون له فراشاً فلتفعل " , ثار النسوة اللاتي يحطن بالسيدة خديجة رضي الله عنها , وقذفنه بالحجارة فعلن ذلك من أجل السيدة خديجة .
وقد لقبت رضي الله عنها أيضا بسيدة نساء قريش , ولا تٌلقب بهذا اللقب إلا من حازت صفة الكمال – ولله المثل الأعلى - وأجمع الناس على ما امتازت به خلْقَاً و خٌلٌقاً , ولم تحد قيد أنملة عن الصفات التي أجمع عليها المجتمع , وصار ظاهرها كباطنها , فليس فيها خليقة تخفيها عن الناس , وليس لها مأرب خاص , فلم تستبعدها التجارة , ولم يستهوها المال فيتحكم في خصالها الحميدة , ويجعلها أحياناً تخضع لتحقيق رغبة , أو لتجني ثمرة , وإنما هي التي تٌخضِعٌ كل هذا لعاطفة سامية , ذلك لأن نفسها كانت مشغولة عن الناس , وعن التحدث في أمورهم , بالبحث والسؤال عما وراء هذه الحياة , كانت تسأل عن الرسل الذين أرسلوا , وعن الرسول الذي سيرسله الله لهداية الناس , وعن وجود الإله العظيم , المستحق للعبادة دون سواه عز وجل , والذي ينبغي السجود والخضوع له , يساعدها في هذا التفكير نفسها الصافية , وذكاؤها المتوقد , فقد روي أنها رضي الله عنها كانت دائمة الحديث مع ابن عمها ورقة بن نوفل عن الرسول الذي سيرسله الله لهداية الخلق , وهل قرب زمنه ؟ وهل ستراه ؟ لقد أبعدها كل هذا عن اللغو والفضول من سير الناس , وارتفع بها إلى مقام محمود .
وكان لمكة البيئة التي نشأت فيها السيدة خديجة رضي الله عنها تأثير كبير في نشأتها , حيث يجتمع في مكة التجارة من الشمال إلى الجنوب , وهي مرسى لقوافل التجارة هذه , فيجتمع الناس من رجال ونساء مع احتفاظ المرأة المكية بكبريائها وعزتها وكرامتها , واحترام كل الواردين إلى مكة لشخصيتها كل ذلك ساعد على توسيع مدارك السيدة خديجة رضي الله عنها , وقوى فهمها للأمور , وزاد علمها ومعرفتها , فأصبحت في مجتمعها محترمة الرأي , معززة الجانب , فأدلت بدلوها في الحياة العامة , وكان في مقدمتها حرفة الناس في ذلك الوقت وهي التجارة .
فلا عجب أن نرى السيدة خديجة رضي الله عنها مثلاً أعلى لهذه البيئة في كل ما عملت , وكل ما أقدمت عليه , وكانت سيرتها الحسنة مثلاً يضرب به .
ولقد أجمع المؤرخون على القول بأن السيدة خديجة رضي الله عنها ورثت عن أبويها جمال الخلْق والخٌلق , وساعدت البيئة على إبراز شخصيتها التي تجبر كل من رآها على الاحترام , والإكبار , والتقدير .
ولقد قابلت السيدة خديجة رضي الله عنها صدمات الحياة في أولى خطواتها على درجات الحياة , إذ قد مات زوجها الأول ولم تتعد السابعة عشرة , ثم فقدت زوجها الثاني حين جاوزت العشرين بقليل , وقد كان لها من الأولاد فتقبلت ذلك كله بقلب كبير , وصبر أكيد , وجلد لا يعرف اليأس , وهذا ما هو معروف عن أهل البيئة الصحراوية .
لقد انصرفت رضي الله عنها لتربية أولادها , والإشراف على تأديبهم وتعليمهم , ورأت أنها استفادت من تجاربها , وأنها في إمكانها تنمية الأموال الكثيرة التي بين يديها , فأدلت بدلوها في التجارة حرفة قومها .
ولقد أثرت الحياة الروحية التي عرفت بها مكة المكرمة تأثيراً عظيماً في حياة السيدة خديجة رضي الله عنها , ففي مكة البيت العتيق , وهو المتجه الروحي للناس , فإليه يحجون , ومن بعيد البلاد يسافرون إلى هذه البقعة الطاهرة ,
فلقد اتجهت إلى هذا البيت العتيق بعقلها وقلبها وكل عواطفها , فهو مقدس عندها , وله رب واحد تتجه إليه بالدعاء والشكر لأنه مصدر الخير , وهو الذي يعطي ويمنع , وما كانت تفعله فمن أجله سبحانه وتعالى .
ولقد استمالها ما عليه جماعة الحنفاء من البحث في الديانة الصحيحة السابقة لذلك فقد داومت على الاستماع إلى ابن عمها ورقة بن نوفل , فكان له دور كبير في حياتها الروحية التي وجهتها وجهة خاصة , وكان لها أكبر الأثر في حياتها التي استقبلتها , وظهر أثرها فيما أقبلت عليه من حياة فكلل عملها بالنجاح الباهر , وكان للبيئة التأثير العظيم .
* * *
منقول
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيرة السيدة خديجة رضي الله عنها
1- نسبها ونشأتها رضي الله عنها :
ولدت السيدة خديجة رضي الله عنها لأبوين قرشيين , فأبوها خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب , وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم " وهو جندب " بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي , وبذلك فهي تلتقي بالرسول بالجد الرابع لها قصي بن كلاب الجد الخامس له , وتلتقي به في الجد الثامن لها من ناحية أمها لؤي بن غالب .
وكان أبويها من أعرق بيوت قريش نسباً , وأعلاهم حسباً , فقد نبتت في بيت واسع الثراء , ملتزم بالأخلاق الفاضلة , ومعروف بالتدين , والبعد عن الانغماس في الملاهي , التي كانت بعض بيوتات قريش غارقة فيها .
ولم تذكر المصادر كثيراً عن طفولة السيدة خديجة غير أنها درجت في سنوات طفولتها الأولى في بيت كبير , فيه الغنى والنعيم , وكل وسائل العيش الرغيد , معروف بإطعام الطعام , ومساعدة الفقير والمحتاج .
وفي ظل هذه العائلة الكريمة عاشت السيدة خديجة رضي الله عنها حياة أبناء العوائل الشريفة الكبيرة منعمة مترفة , مع ما لأبيها من مكانة في قريش كونه أحد زعمائها ورجالها البارزين , ومما لا يقبل الشك أن قوة شخصيتها ومكانتها جاءت نتيجة لتأثير هذه العائلة فيها , فضلاً عن مميزاتها الذاتية .
وكان تأثير هذه الأسرة كبيراً على شخصيتها رضي الله عنها حيث كانت نشأتها الأولى في أسرتها مميزة جداً فقد أطلق عليها لقب " الطاهرة " قبل أن تتزوج بالرسول . ويتضح من هذا اللقب أنها نالت مكانة كبيرة في مجتمع مكة حتى استحقته فلقبت به دون باقي نساء قريش .
وليس من المستبعد أن يكون هذا اللقب قد أطلق عليها نتيجة لظروف أسرتها , حيث قتل اثنان من أخوتها في حرب الفجار , وربما قتل أبوها أيضاً فيها أو بعدها بقليل .
كذلك فإن أخاها عدياً ربما توفي في فترة مبكرة , لذلك لم يبقى لها سوى أخوها نوفل بن خويلد مما جعلها تتحمل مسؤولية نفسها , لأن علاقتها به كانت بعيدة وهذا ما نراه بوضوح في عدائه للإسلام وعدم مساعدته لأخته في المقاطعة التي فرضت على بني هاشم , وعدم ورود أي رواية تدل على علاقته بها مما اضطرها إلى أن تعتمد على نفسها في إدارة شؤونها , وإدارة أموالها التي ربما ورثتها عن عائلتها وأزواجها , ويتضح ذلك في مباشرتها للعمل التجاري الأمر الذي يؤكد استقلاليتها بنفسها وعدم وجود أشخاص يقومون به نيابة عنها .
وقد اكتسبت السيدة خديجة رضي الله عنها لقب الطاهرة عن جدارة واستحقاق , فلقد تزوجت في الجاهلية مرتين قبل اقترانها بسيد البشر محمد بن عبد الله , ومات زوجها الثاني وهي في مقتبل العمر والشباب , وكانت ترفل في ثوب العز والرفاهية , وسادت وساد قومها , وكثر مالها , ونزلت إلى مجال العمل والتجارة , وكثر الطلاب والراغبون فيها وكان لها مما احترفته مالا يمنعها أن تتصل بالرجال , وأن تقحم نفسها معهم في أمور التجارة ولكن ذلك لم يحصل , فلم تضع عينها على سيد من سادة قريش , ولم تشترك معهم في أمور تتصل بالتجارة , ولم تتخذ من التجارة ذريعة للاتصال بهم , ولتقوية الروابط بينها وبين الرجال من مكة أو غير مكة , لكنها رضي الله عنها اتخذت لها طريقاً جاداً بعيداً عن طريق الأهواء والرغبات , فلقد كانت تجارتها كثيرة ومتنوعة , ولم تتصل بتجار قومها , وكانوا كلهم تجاراً , ولم تشترك معهم في اجتماع خاص أو عام , ولم تسر في ركابهم , وإنما كان يقوم بأمور التجارة عبيدها , وعلى رأسهم مولاها المخلص ميسرة .
وكانت بيوت مكة كثيرا ما يقام فيها ليالي مرح ولهو وغناء , وكان القائمون عليها إما إخوة أو أولاد عمومة أو خؤولة , وكان بيت عبد العزى بن عبد المطلب المعروف في الإسلام بأبي لهب معروفاً بهذه الأمور ,
وكان قريباً من بيت خديجة رضي الله عنها , وكانت تمر أحياناً , وفيه من اللهو والسهر , وكان اللائي يحضرنه نساء الحي مشاركة لأم جميل زوجة أبي لهب , فلم يأتِ أبداً في بال السيدة خديجة رضي الله عنها العفيفة الطاهرة أن تلهو مع قريناتها من القرشيات .
ولقد عرف عنها ذلك نساء مكة , والمقربات إليها فكن يذهبن بأنفسهن إليها في بيتها ولها في نفوسهن منزلة عظيمة فينلن من كرمها وفضلها الشيء الكثير , فإذا ما خرجت إلى البيت العتيق لتطوف به , خرجن معها , وقد أحطن بها , فلا تلغو واحدة منهن في قولها , ولا تتكلم إلا بالجد من الكلام , ولا يحببن أن يسمعن من أحد لفظة نابية , قد تجرح سمع السيدة خديجة رضي الله عنها , ولقد ثارت النسوة وغضبن حينما طلع عليهن يهودي وهن عند البيت العتيق وناداهن قائلاً : " يا نساء قريش , سيظهر نبي في هذا الزمن , فمن أرادت أن تكون له فراشاً فلتفعل " , ثار النسوة اللاتي يحطن بالسيدة خديجة رضي الله عنها , وقذفنه بالحجارة فعلن ذلك من أجل السيدة خديجة .
وقد لقبت رضي الله عنها أيضا بسيدة نساء قريش , ولا تٌلقب بهذا اللقب إلا من حازت صفة الكمال – ولله المثل الأعلى - وأجمع الناس على ما امتازت به خلْقَاً و خٌلٌقاً , ولم تحد قيد أنملة عن الصفات التي أجمع عليها المجتمع , وصار ظاهرها كباطنها , فليس فيها خليقة تخفيها عن الناس , وليس لها مأرب خاص , فلم تستبعدها التجارة , ولم يستهوها المال فيتحكم في خصالها الحميدة , ويجعلها أحياناً تخضع لتحقيق رغبة , أو لتجني ثمرة , وإنما هي التي تٌخضِعٌ كل هذا لعاطفة سامية , ذلك لأن نفسها كانت مشغولة عن الناس , وعن التحدث في أمورهم , بالبحث والسؤال عما وراء هذه الحياة , كانت تسأل عن الرسل الذين أرسلوا , وعن الرسول الذي سيرسله الله لهداية الناس , وعن وجود الإله العظيم , المستحق للعبادة دون سواه عز وجل , والذي ينبغي السجود والخضوع له , يساعدها في هذا التفكير نفسها الصافية , وذكاؤها المتوقد , فقد روي أنها رضي الله عنها كانت دائمة الحديث مع ابن عمها ورقة بن نوفل عن الرسول الذي سيرسله الله لهداية الخلق , وهل قرب زمنه ؟ وهل ستراه ؟ لقد أبعدها كل هذا عن اللغو والفضول من سير الناس , وارتفع بها إلى مقام محمود .
وكان لمكة البيئة التي نشأت فيها السيدة خديجة رضي الله عنها تأثير كبير في نشأتها , حيث يجتمع في مكة التجارة من الشمال إلى الجنوب , وهي مرسى لقوافل التجارة هذه , فيجتمع الناس من رجال ونساء مع احتفاظ المرأة المكية بكبريائها وعزتها وكرامتها , واحترام كل الواردين إلى مكة لشخصيتها كل ذلك ساعد على توسيع مدارك السيدة خديجة رضي الله عنها , وقوى فهمها للأمور , وزاد علمها ومعرفتها , فأصبحت في مجتمعها محترمة الرأي , معززة الجانب , فأدلت بدلوها في الحياة العامة , وكان في مقدمتها حرفة الناس في ذلك الوقت وهي التجارة .
فلا عجب أن نرى السيدة خديجة رضي الله عنها مثلاً أعلى لهذه البيئة في كل ما عملت , وكل ما أقدمت عليه , وكانت سيرتها الحسنة مثلاً يضرب به .
ولقد أجمع المؤرخون على القول بأن السيدة خديجة رضي الله عنها ورثت عن أبويها جمال الخلْق والخٌلق , وساعدت البيئة على إبراز شخصيتها التي تجبر كل من رآها على الاحترام , والإكبار , والتقدير .
ولقد قابلت السيدة خديجة رضي الله عنها صدمات الحياة في أولى خطواتها على درجات الحياة , إذ قد مات زوجها الأول ولم تتعد السابعة عشرة , ثم فقدت زوجها الثاني حين جاوزت العشرين بقليل , وقد كان لها من الأولاد فتقبلت ذلك كله بقلب كبير , وصبر أكيد , وجلد لا يعرف اليأس , وهذا ما هو معروف عن أهل البيئة الصحراوية .
لقد انصرفت رضي الله عنها لتربية أولادها , والإشراف على تأديبهم وتعليمهم , ورأت أنها استفادت من تجاربها , وأنها في إمكانها تنمية الأموال الكثيرة التي بين يديها , فأدلت بدلوها في التجارة حرفة قومها .
ولقد أثرت الحياة الروحية التي عرفت بها مكة المكرمة تأثيراً عظيماً في حياة السيدة خديجة رضي الله عنها , ففي مكة البيت العتيق , وهو المتجه الروحي للناس , فإليه يحجون , ومن بعيد البلاد يسافرون إلى هذه البقعة الطاهرة ,
فلقد اتجهت إلى هذا البيت العتيق بعقلها وقلبها وكل عواطفها , فهو مقدس عندها , وله رب واحد تتجه إليه بالدعاء والشكر لأنه مصدر الخير , وهو الذي يعطي ويمنع , وما كانت تفعله فمن أجله سبحانه وتعالى .
ولقد استمالها ما عليه جماعة الحنفاء من البحث في الديانة الصحيحة السابقة لذلك فقد داومت على الاستماع إلى ابن عمها ورقة بن نوفل , فكان له دور كبير في حياتها الروحية التي وجهتها وجهة خاصة , وكان لها أكبر الأثر في حياتها التي استقبلتها , وظهر أثرها فيما أقبلت عليه من حياة فكلل عملها بالنجاح الباهر , وكان للبيئة التأثير العظيم .
* * *
منقول
يتبع