• انت....زائر..... هل ذكرت الله اليوم...... هل صليت على نبي الله اليوم ابدا الان وسجل ما يسرك ان تلقى الله به
  • سبحانه الله وبحمده سبحان الله العظيم واستغفر الله
  • اللهم ان ظلمت من ضعفي فانصرني بقوتك
  • اللهم إني أسألُك من فضلِك و رحمتِك ؛ فإنَّه لا يملُكها إلا أنت
  • أحب ما تعبدني به عبدي النصح لي وفي رواية لكل مسلم رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي والحكيم وأبو نعيم
  • {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة
  • أربع خصال واحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي وواحدة لي وواحدة لك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي ترضى لهم ما ترضى لنفسك رواه أبو نعيم عن أنس
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الحديث بتمعن.......................... إﻧﻤﺎ أﺗﻘﺒﻞ اﻟﺼﻼة ﻣﻤﻦ ﺗﻮاﺿﻊ ﺑﮭﺎ ﻟﻌﻈﻤﺘﻲ وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻲ وﻟﻢ ﯾﺒﺖ ﻣﺼﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﯿﺘﻲ وﻗﻄﻊ ﻧﮭﺎره ﻓﻲ ذﻛﺮي ورﺣ ﻢ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ واﺑﻦ اﻟﺴﺒﯿﻞ واﻷرﻣﻠﺔ ورﺣﻢ اﻟﻤﺼﺎب ذﻟﻚ ﻧﻮره ﻛﻨﻮر اﻟﺸﻤﺲ أﻛﻠﺆه ﺑﻌﺰﺗﻲ وأﺳﺘﺤﻔﻈﮫ ﺑﻤﻼﺋﻜﺘﻲ أﺟﻌﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻧﻮرا وﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎﻟﺔ ﺣﻠﻤﺎ وﻣﺜﻠﮫ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻲ ﻛﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮدوس ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ رواه اﻟﺒﺰار ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس
  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
  • قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
  • سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53]
  • أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما خلق، و برأ و ذرأ، و من شر ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض و من شر ما يخرج منها، و من شر فتن الليل و النهار و من شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان". رواه أحمد.
  • وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون
  • عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أوثمانيا، -يعني حججاً-. رواه الحاكم
  • عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. رواه أبو داود وابن ماجه
  • في رواية لأبي داود: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا .
  • قال ﷺ : " اللهم فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ربَّ كلِّ شيء ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفْسي، وشرِّ الشيطان، وشِرْكَْه ، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرّه إلى مسلم "
  • من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته ثواب الشاكرين رواه ابن حذيفة عن شاهين عن أبي سعيد الخدري
  • وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا قال لا إله إلا الله رواه تمام عن أنس بن مالك
  • اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) رواه الطبراني
  • اللهم اني مغلوب فانتصر
  • وانذر عشيرتك الأقربين ----------- اللهم فاشهد انني بلغت وحذرت
  • اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الدعاء ... اللهم انك اقدرت بعض خلقك على السحر والشر ولكنك احتفظت لذاتك باذن الضر اللهم اعوذ بما احتفظت به مما اقدرت عليه شرار خلقك بحق قولك وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
  • اللهم انت خلقتني وانت تهديني وانت تطعمني وانت تسقيني وانت تميتني وانت تحييني ***** لا اله الا الله******
  • إلهي عبد من عبادك ، غريب في بلادك ، لو علمت أن عذابي يزيد في ملكك ، وعفوك عني ينقص من ملكك لما سألتك المغفرة ، وليس لي ملجأ ولا رجاء إلا أنت ، وقد سمعت فيما أنزلت أنك قلت : إني أنا الغفور الرحيم ، فلا تخيب رجائي.
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا القران.......................... ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد.................. ............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد .............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد
إنضم
1 ديسمبر 2014
المشاركات
95
مستوى التفاعل
180
النقاط
37
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السيرة - شمائل الرسول 1995 - الدرس (07-32) : خلقه العظيم - وإنك لعلى خلق عظيم
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1994-11-14
www.nabulsi.com_blue_ar_images_art_line.jpg

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس السابع من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وننتقل اليوم إلى خُلقه العظيم، بعد أن تحدثنا عن كمال عقله، وعن كمال علمه.
أيها الإخوة الكرام ؛ الأصل في هذا الموضوع قول الله عزَّ وجل في سورة القلم:

﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )



أي إن العقل السليم يجب أن يهدي صاحبه إلى معرفة الله، وإلى طاعته، ويمكن أن تمتحن عقلك امتحاناً دقيقاً، فكلما هداك إلى الله كان عقلك أرجح

هنا نقف أمام مشكلة محيِّرة، قد تجد إنسانًا يحمل أعلى شهادة ؛ بورد مثلاً، متفوقًا في اختصاصه تفوقًا مذهلاً، أحد فلتات العصر في اختصاصه كما يقال ؛ في الآداب، في العلوم، في الفيزياء، في الرياضيات، وتراه لم يعرف ربه، وهو غارقٌ في المعاصي، وقد يشرب الخمر، ولا يصلي، فكيف توفق بين هذه الظاهرة، وبين أن الدين هو العقل، وأنه من لا عقل له لا دين له؟
هذه المشكلة أشار إليها بعض العلماء إشارة لطيفة، فميَّز بين العقل والذكاء، وقال: "الذكاء يتعلق بالجُزئيات، والعقل يتعلق بالكليات ".
ما كل ذكيٍ عاقلاً، ولا يسمَّى الإنسان عاقلاً إلا إذا عرف الله، لا يسمى الإنسان عاقلاً إلا إذا أدرك كليَّات الحياة، لماذا أنت في الحياة ؟ لذلك لا تؤخذ بإنسانٍ متفوق في اختصاصه وهو يعصي الله، هذا لا يسمى عاقلاً، بل يسمى ذكياً، والله سبحانه وتعالى لحكمةٍ بالغةٍ أرادها جعل أحطَّ الحيوانات من أذكى الحيوانات، الحيوانات التي تعيش في المجاري هي من أذكى الحيوانات، وهناك دراسات تؤكِّد أنها تتمتع بذكاء يندر مثيله من بين الحيوانات، فالذكاء وحده ليس قيمةً يعتدُّ بها في ميزان المكارم.
إذاً النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)﴾

( سورة القلم )

﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾

( سورة هود )

يجب أن تشعر أيها الأخ الكريم بنعمة الله عليك، فإذا تفضَّل الله عليك بمعرفته، وطاعته، إذَا تكوّنتْ لديك فكرة صحيحة عن خالق الكون، وصار عندك فكرة صحيحة عن منهجه، ففي الأعم الأغلب عندئذٍ أنت مستقيم على منهج الله عزَّ وجل، فلا تأكل مالاً حرامًا، ولا تعتدي على أعراض الناس، بل تعرف حدك فتقف عنده، وهذه نعمةٌ عُظمى، بل هذه النعمة المطلقة المُطلقة..
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ(7)﴾

( سورة الفاتحة )

المغضوب عليهم هم الذين عرفوا وعصوا، والضالون لم يعرفوا، ولم يطيعوا، والذين أنعم الله عليهم هم الذين عرفوا ربهم، وأطاعوه..
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

( سورة الأحزاب: من آية " 71 " )

فالبطولة ألاّ يتأثر الإنسانُ بكلام الآخرين..
﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)﴾

( سورة يوسف )

فعامة الناس ؛ تائه، ضال، شارد، جاهل، لا يعلم، فالناس يعظمون أرباب الأموال، يعظِّمون الأغنياء، الأقوياء، يعظمون من أوتوا حظوظاً من الدنيا كبيرة، ولكنهم قد لا يأبهون لمؤمن خشع قلبه، واستنار عقله، وضبط سلوكه.
طبعاً موطن الثقل، أو موطن الشاهد في هذه الآية:
﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)﴾

( سورة القلم )

على صبرك على هؤلاء، وعلى دعوتك إليهم، أجر غير مقطوع.
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )

اسمحوا لي أيها الإخوة أن أقول لكم: الدين بمجمله خلقٌ حسن، و هناك أحاديث كثيرة صحيحة تزيد عن خمسين حديثًا، تؤكِّد أن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وأن أكمل المسلمين إسلاماً أحسنهم خلقاً، وأن الخلق الحسن ذهب بالخير كله، وأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب النار الثلج، الخلق الحسن هو الدين.
السبب أنّ الإنسان أيها الإخوة مخلوقٌ لحياةٍ أبدية، ثمن هذه الحياة الأبدية أن ينهى النفس عن الهوى، والخلق الحسن هو ضبطٌ للهوى..
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾

( سورة الليل )

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾

( سورة النازعات )

الشجاعة معاكسة لميل حب السلامة، السخاء معاكس لميل حب المال، أداء العبادات يتناقض مع راحة الجسم، فلو أردت أن تعدد تكاليف الدين لوجدت أن الدين كله عملية ضبط للنزوات والأهواء، فكلما كان ضبطك أشد كان مقامك أعلى عند الله عزَّ وجل.
فحقيقة الدين تتوافق مع الفطرة، ولكنها تتناقض مع الطبع، الجسم يحب الراحة، والتكليف أن تصلي، الجسم يحب أن يقبض ذوات الخمسمائة من الليرات، والتكليف أن تدفع، الجسم يحب أن يتسلَّى، ويلهو بأحاديث الناس وقصصهم، والتكليف أن تسكت، الجسم يحب أن ينظر إلى المحرَّمات، والتكليف أن تغض البصر.
فالخلُق الحسنُ ضبط للنزوات، ضبط للشهوات، ضبط للأهواء، فإذا أردت أن تلخص الدين كله، فالدين خلُق حسَن، والإنسان الذي لا دينَ له يأكل ما يريد، يتكلم ما يشاء، يذهب إلى حيث يشاء، يعطي نفسه كل أهوائها، الدين إنسان منضبط، وغير الدين إنسان متفلت.
قلت يومًا في خطبة جمعة: الناس رجلان ؛ موصول منضبط محسن، ومقطوع متفلت مسيء، ولن تجد إنساناً ثالثاً، على الرغم من أن هناك تقسيمات كثيرة كثيرة كثيرة، يقول لك: الشمال والجنوب، والشرق والغرب، والعنصر الآري والعنصر السامي، والسود والبيض والملونون، والدول المتخلفة، والنامية، والمتقدمة، والشعوب ذات البنية الخاصة، وصنفوا الشعوب تصنيفات عديدة، فهناك أغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، ومثقفون وغير مثقفين، كل هذه التقسيمات تنتهي يوم القيامة إلى فريقين ؛ إنسان أول:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾

( سورة الليل )

وإنسانٌ آخر:
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾

( سورة الليل )

إنسانٌ أول:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾

( سورة النازعات )

وإنسان آخر:
((وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))

(رواه الترمذي)

إنّها عملية فرز في صنفين، قلت هذا مفصلاً في درسٍ سابق: إنّ الناس مؤمن وكافر، مشرك وموحِّد، منضبط ومتفلت، محسن ومسيء، مستقيم ومنحرف، مخلص وخائن، مقسط وظالم.
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )

أي إنّ وصف ربنا عزَّ وجل جامع مانع، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن أعظم الخطباء على الإطلاق ؟ نعم ؟ أما إنّه كان أعظم المحدثين ؟ فنَعَمْ، ما كان أعظم العلماء ؟ نعم، وأعظم القادة، وأعظم المتكلمين، لكن الله حينما وصفه فبماذا وصفه؟:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )

وصفه الوصف الذي يرفعه، فإذا أوتي شخصٌ مقدرة كلامية، أو ذاكرة قوية، أو محاكمة جيدة، قد يتفوق، ولكنه لا يرقى عند الله إلا بخلقه العظيم، ولو تتبعت ما في السنة النبوية الشريفة لوجدت أن الخير كله في الخُلُق العظيم.
وقد ذكرت لكم كثيراً أن هذه الآية:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )

(على) تفيد الاستعلاء والتمكُّن، أي إنّ النبي عليه الصلاة والسلام متمكن من خلقه العظيم، لكن بعض الذين أحياناً يتخلَّقون بأخلاق جيِّدة فبعدَ بعد صراع، وبعد انتصار على أمرٍ صغير، يقول لك: عانيت معاناة شديدة، ثم انتصرت على نفسي، أما النبي عليه الصلاة والسلام فخُلُقُه العظيم يعني أنه متمكن.
هذا وصف عام..
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

( سورة القلم )

وبعد، فما هو إذًا هذا الخلُق ؟
إذا دخلنا في التفاصيل، ما هو هذا الخلق ؟ فعَنِ الْحَسَنِ قَالَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:
((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ))

(رواه مسلم، وأحمد، واللفظ له)

فالقضية سهلة، وأرجو الله سبحانه وتعالى إذا قرأنا القرآن أن نقيس أنفسنا بآياته دائماً، فمثلاً أين أنتَ من قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾

( سورة الأنفال )

أين أنت من هذه الآية ؟
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾

( سورة البقرة )

أين أنت من هذه الآية ؟
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)﴾

( سورة المؤمنون )

ثمّ أين أنت من هذه الآية ؟
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64)﴾

( سورة الفرقان )

هذا الذي أرجوه من الله عزَّ وجل، إذا قرأت القرآن أن تسأل هذا السؤال الدائم: أين أنا من معاني هذه الآية ؟ أنا مع من ؟
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾

( سورة البقرة: من آية " 222 " )

هل أنت من التوابين ؟
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)﴾

( سورة التوبة )

إن الله يحب الصادقين، إذا قرأت القرآن دائماً اسأل نفسك: أين أنت من هذه الآيات ؟ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالت السيدة عائشة
((كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ))

(رواه مسلم، وأحمد، واللفظ له)

يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه.
فمثلاً أنت زوج، متى تغضب في البيت ؟ إذا لم يكن الأكل جاهزاً، أما إذا كان خروج ابنتك لا يرضي الله عزَّ وجل فأنت متساهل، والتساهل شديد، ففي أمور خروج بناتك، وأمور إقامة الحدود، وأمور إقامة الشرع تتساهل، ولكنْ في موضوع الطعام والشراب تغضب، الأكمل أن تغضب إذا انتهكت حرمةٌ من حرمات الله عزَّ وجل، لذلك يغضب لغضبه ويرضى لرضاه، وما الذي يغضبك كفي عملك ؟ إنْ لم يدفع لك إنسانٌ تغضب !! فهذه علاقة غير صحيحة، وكذلك قد يكون لديك علاقة ربوية ولا تغضب لها ‍‍! متى يكون خلقُك القرآن ؟ إذا غضبت لغضب القرآن، و رضيت لرضاه.
ومرةً ثانية، إذا قرأت القرآن فاسأل نفسك هذا السؤال دائماً: أين أنا من هذه الآية ؟ أنا مع من ؟
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

( سورة الشورى )

أنت مع من ؟
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

( سورة النحل )

أنت مع من ؟ كلما قرأت آيةً صنِّف نفسك مع إحدى فقراتها.
وروى ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:
((كان أحسن الناس خلقاً، كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح ثم قالت: اقرأ:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)﴾
إلى عشر آيات، فقرأ السائل، فقالت: هكذا كان خلق رسول الله))

كأن درسنا اليوم اقرأ القرآن، ودائماً وازن بين أخلاقك والوصف القرآني للمؤمنين، فإذا تطابقا فهذه نعمة الله العظمى، إذا كان الفارق بسيطًا فحاوِلْ أن تقلِّل من هذا الفارق، إلى أن تطابق أخلاقك مع وصف القرآن الكريم لأخلاق المؤمنين.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:

((ما كان أحدٌ أحسن خلقاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك ))

فلذلك أنزل الله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

لبيك، تواضعٌ مع الناس لا تصده أبراج عاجية، ولا تمنعه حواجز شكلية، ما دعاه أحدٌ من الناس أو من أصحابه أو من أهل بيته إلا قال: لبيك، فلذلك أنزل الله تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

أحياناً يدعوك فقير فيجب أن تلبي، ويدعوك إنسان ضعيف الشأن في المجتمع فيجب أن تلبي، فكلما كنت متواضعًا مع الناس ؛ مع فقرائهم، مع مساكينهم، مع الطبقة الدنيا من المجتمع، تألَف وتؤْلَف، تعطي وتأخذ، فأنت على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، وفي كل مرةٍ يردُّ عليه النبي ويقول: " لبيك لبيك "، أحياناً الإنسان يُقرع جرسُ بيتِه، فينتظر قليلاً، يتجاهله صاحب البيت، يتوضأ، لكنه عليه الصلاة والسلام نودِيَ، ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول له: " لبيك لبيك، لبيك لبيك، لبيك لبيك ".
إخواننا الكرام ؛ دققوا في هذه الفكرة: إذا سمح الله عزَّ وجل لك أن تكون في خدمة عباده، فيجب أن تقوم بهذا العمل على أتمِّ وجه، وإذا طلب الإنسان من الله عزَّ وجل أن يكون باباً له، فعليه أن يكون مع الناس بأعلى درجات التواضع والخدمة، لأنه كما قال بعض الصالحين: " يا رب، لا يطيب الليل إلا بمنجاتك، ولا يطيب النهار إلا بخدمة عبادك ".
أي إنّ أساس الدين أنّ هذا الخالق العظيم خلقك، ولم تكن شيئاً مذكوراً، فأنعم عليك بنعمة الإيجاد، ثم أنعم عليك بنعمة الإمداد، وأخيرًا عليك بنعمة الهدى والرشاد، وأنت لا تملك إلا أن تخدم عباده اعترافاً بهذا الفضل، فأساس الدين خدمة الخلق تقرباً للحق، ولا تميز بين عبدٍ وعبد، كلهم عبادٌ لله عزَّ وجل، ولا سيما أنك إذا خدمت غير المسلمين، ورأوا من كمالك، ومن رحمتك، ومن اهتمامك، ربما جلبتَهم إلى هذا الدين، وإذا أسأت إليهم نفَّرتهم عن هذا الدين.
وروى البخاري عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ))

أما أحسن الناس وجهاً ليس المقصود به الجمال المادي، المقصود أن الإنسان إذا صفت سريرته ظهر هذا الصفاء في وجهه، تنظر إلى وجهه فترتاح له، قد يكون ملوَّنًا، لكنك تشعر أنّ فيه صفاء، تشعر أنّ فيه روحانية، وفيه تألق، فيه نور، لا أقصد أبداً جمال الصورة المادية، أقصد أنك إذا نظرت إلى مؤمن رأيت في وجهه نوراً، رأيت في وجهه صفاءً، رأيت في وجهه تألُّقاً، هذا التألق وذاك الصفاء وهذا النور انعكاس لصفاء نفسه، ونورانيَّة قلبه، وكمال خلقه، هذا معنى كونِ النبي عليه الصلاة والسلام أحسنَ الناس وجهاً، وأحسنهم خلقًا، ويضاف إلى ذلك أن وجه النبي عليه الصلاة والسلام كان كالبدر، كان من أجمل الوجوه، إضافة إلى النورانية، وإلى التألُّق والصفاء، كان من أجمل الوجوه خَلْقًا.

وأحسن منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقت مبرَّأً من كل عيبٍ... كأنك قد خلقت كما تشاءُ
* * *

بالمناسبة في حياة كل واحدٍ منا ثلاث شخصيات ؛ شخصيةٌ يكونها هو، وشخصيةٌ يكره أن يكونها، شخصيةٌ يتمنَّى أن يكونها، قل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أَقُلْ لك من أنت ؟ أحياناً إنسان ينظر إلى تاجر كبير، مكاتب فخمة، سيارات، أجهزة، صفقات كبيرة، عنده موظفون كُثُر، أحلامه تنصب على هذا النموذج، وقد يكون الإنسان في جامعة، وفي وظيفة متواضعة يرى أستاذًا ذا كرسي مثلاً، يداوم ساعتين أو نحوهما، له مكتب فخم، والطلاب حوله، وله مؤلفات، فهذا هو الشخصية التي يتمنى أن يكونها هذا الشخص مثلها.
أما المؤمن وأقول لكم هذا الكلام بدقة بالغة، المؤمن لا يتمنى إلا أن يكون على أثر هذا النبي العظيم، وإذا دخل بيته وعمل عملاً، فليتساءل: يا ترى هل كان النبي يفعل هذا ؟ إذا عَامَلَ أخًا، يا ترى أهكذا علمنا النبي ؟ دائماً يقيس سلوكه بسلوك النبي، لأن الشخصية الأولى التي يتمنى أن يكونها المؤمن أن يكون على منهج النبي عليه الصلاة والسلام.
قال الرواة: " فهو عليه الصلاة والسلام أجمل خلق الله خَلْقاً وأكملهم خلُقاً، بل هو فيّاض المكارم والكمالات ".
في مسند أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ))

(أحمد)

وفي رواية أخرى:
((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))

هذا حديث خطير، وهذه اللام لام التعليل، أي أن علة بعثته صلى الله عليه وسلم، غرس القيم الخُلقية في المجتمع البشري، معنى ذلك أنّ العلم في الإسلام وسيلة وليس غاية، فإذا انحرف الإنسان ظن أن العلم وحده هو كل شيء، فيحقق، يمحص، يدرُس، يحفظ، يؤلِّف إلى أن يغدو أحد أقطاب زمانه، لكن ليس لديه أيّ استقامة في سلوكه، أو ليس لديه أيّ عمل صالح، وليس عنده قلب متألق بحبِّ الله عزَّ وجل، فلم يعرف جوهر الدين، وأنّ جوهر الدين الخلقُ العظيم، لأنه ثمن جنة الله عزَّ وجل إلى أبد الآبدين.
وروى الإمام مالك في الموطأ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ))

الإمام أحمد في مسنده:
((إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ))

لكنَّ رواية الإمام مالك في الموطأ:
((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))

قال الإمام الجنيد: " إنما كان خلقه عظيماً لأنه لم يكن له همةٌ سوى الله تعالى "، تحليل دقيق، إذا كانت للإنسان مطامح دنيوية، مآرب دنيوية، يتخلق بأخلاق تتناسب مع هذه المطامح، ويقول لك: دبَّرت نفسي، ألف قلبة ولا غلبة، إذا كانت مطامح الإنسان دنيوية، يتخلق بأخلاق تناسب هذه المطامح، أما إذا كان الإنسان ليس له همةٌ إلا الله سبحانه، فهذا هو الهمُّ العظيم، وهذا التوجُّه الكبير له خلقٌ يناسبه، أمّا الشخص المادي فلا تهمه سمعته، بل يهمه أن يحصِّل أكبر مبلغ ممكن بأقل جهد ممكن.
إنّ الإنسان الذي همُّه الله، همه تقريب الناس من الله، همه الدعوة إلى الله، همه تحبيب الناس بهذا الدين، تجد أخلاقه تتناسب مع هذا الهم، يتواضع لهذا الهدف الكبير، يتطامن لهذا الهدف السامي، يرحم الناس لهذا الهدف، يعفو عنهم لهذا الهدف، يعطيهم لهذا الهدف، يبذل من وقته وجهده وماله لهذا الهدف، صار البذل، والعطاء، والكرم، والرحمة، والتساهل، والعفو، والحلم، أخلاقَ مَن كان همُّه الله.
من كان همُّه الربحَ تجده حريصًا، يحاسب، يتشدد، الذي همه الدعوة إلى الله عزَّ وجل يتخلق بأخلاق تتناسب مع هذا الهم العظيم مِن دون أنْ يشعر، لذلك فالإمام الجنيد قال: " إنما كان خلقه عظيماً لأنه لم يكن له همٌ سوى الله تعالى ".
في قول آخر: "إنّ النبي عليه الصلاة والسلام جمع مكارم الأخلاق التي جاءت بها الأنبياء قبله "، كل المكارم الأخلاقية التي جاء بها الأنبياء قبله جمعها النبي صلى الله عليه وسلم وزاد عليها.
والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

( سورة آل عمران: من آية " 159 " )

الآيات القرآنية أحياناً لها وجوه عديدة، فحينما أودع الله في قلب النبي هذه الرحمة، من نتائج هذه الرحمة اللين مع عباد الله، الرحمة تساوي اللين، والقسوة تساوي الغلظة، الرحمة أساسها الاتصال بالله، اتصال، رحمة، لين، انقطاع، قسوة، فظاظة، وهذه الآية قانون:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾

بسبب الرحمة التي في قلبك لنت لهم، هذه الآية لنا نحن المؤمنين، كلما حصلت على مزيد رحمة من الله عزَّ وجل لانَ قلبك للناس، فترحمهم، وتعفو عنهم، وتأخذ بيدهم،و تتجاوز عن أخطائهم، وتتمنى لهم السعادة، بسبب هذه الرحمة التي استقرَّت في قلبك عن طريق الاتصال بالله عزَّ وجل لنتَ لهم، ولو لم تكن في قلبك هذه الرحمة لكنت قاسياً معهم، فإذا كنت قاسياً معهم نفروا منك، انفضوا عنك، آية دقيقة ؛ اتصال، رحمة، جذب، انقطاع، قسوة، نفور، إذا أردت أن يجتمع الناس حولك فارحمهم، تواضع لهم، تجاوز عن سيِّئاتهم، خذ بيدهم، أعطهم، ابذل لهم من وقتك، من جهدك، من علمك، إذا أردت أن ينفض الناس من حولك كن قاسياً معهم، هذه الآية قانون:
﴿فَبِمَا﴾

الباء سببية، بسبب الرحمة التي استقرت في قلبك لنت لهم، ولو لم تستقر هذه الرحمة في قلبك لقسوت عليهم، فإذا قسوت عليهم لكنت..
﴿كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

هذا معنى أوّل، أمّا المعنى الثاني: فأنت على أنك نبيٍ، وعلى أنك مرسل، وعلى أنت معصوم، وعلى أنك يوحى إليك، وعلى أنك مؤيدٌ بالمعجزات، مع كل هذه الميزات..
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

فإذا لم يكن الإنسان معصوماً، ولا يوحى إليه، وليس مؤيداً بالمعجزات، ولا هو نبي ولا هو رسول، وكان فظًّا وغليظًا مع الناس، فهذا الذي جمع كل هذه الصفات، لكن ينفضّ الناس مِن حوله، وينبذونه.
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

لو لم تكن للإنسان أيّة ميزة، وكان فظًّا وغليظًا، فهذا ما أنزل الله به من سلطان.
لكن كان عليه الصلاة والسلام، ليِّن الجانب، سهل الخلق، حسن المعاشرة مع الأهل والأصحاب وسائر الناس، يعطي جليسه حظاً كبيراً من الانبساط والملاطفة وحسن المقابلة.
روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كَانَ إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((... أَجْوَدُ النَّاسِ كَفَّا وَأَشْرَحُهُمْ صَدْرًا وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ...))

أيها الإخوة ؛ أرجوكم ألاَّ تظنوا أن هذا وصفٌ للنبي فقط، بل هذا هدف لنا جميعاً، فإذا قرأت أن النبي كان أصدق الناس لهجةً، يجب عليك ألاّ تكذب أبداً، لا تقل: عندي أولاد، وأنا مضطر، هكذا مصلحتي، فالله هو الرزاق، لا تصغر نفسك، فالصادق كبير موَقَّر، وأكبر مطبٍّ يقع فيه المسلمون كلما قرأ عن صفات رسول الله يقول: هذا نبي، من قال لك: إنك لست مأموراً أن تكون على شاكلته ؟ " إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ".
ما هو جهاد النفس والهوى ؟ التوفيق المستمر دائماً بين أخلاقك، وأخلاق النبي، هذا جهاد النفس والهوى، فكان أجود الناس صدراً، وأصدقهم لهجةً، وألينهم عريكةً، وأكرمهم عشرةً.
وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
((لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا))

((يا داود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جُبِلتْ على حب من أحسن إليه))

لا تقدر كداعية أنْ تستقطب الناس، وأنْ تجمع الناس إلا بالخلق الحسن، لا بالعلم، العلم ضروري، وشرط لازم لكنه غير كافٍ، ومتى يصغي الناس إليك ؟ إذا أُعجِبوا بأخلاقك، عندئذٍ يصغون إليك، فأنت قبل أن تلقي العلم على الناس و تعلِّمهم عليك أن تكون ذا خلقٍ حسن، فأحياناً الإنسان تكون أخلاقه غير مكتملة، فينصح والدَه مثلاً، فوالدُه يقسو عليه، أما لو أنّ الأب رأى ابنه في كمال، ومع هذا الكمال قدّم نصيحة أديبة لأَصبحت مقبولة، لا تقدر أن تؤثر بالآخرين إلا بالخلق الحسن، ولا تستطيع أن تجعل الناس يصغون إلى كلامك إلا إذا أحسنت إليهم.
قالوا: ومن لطفه صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يقابل أحداً بما يكره، هناك أناس تجد عندهم شدّة في مواجهة الناس على أخطائهم، يقول مثلاً: أنت كاذب، فهذه ثقيلة، أما لو قلت: كأن ليس هناك دقة في وصفك، فهذه كذلك ككلمة كذَّاب، ولكنها ألطف، أو تقول: أنا أظن الأمر خلاف ذلك، ويغلب على ظني أن الأمر خلاف ذلك، معناها كذاب، لكنها ملطفة كثيراً، فالإنسان أحياناً كلما ارتقت نفسه ينتقي أجمل العبارات، والله عزَّ وجل قال:
﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)﴾

( سورة فصلت )

كلمة " أحسن " اسم تفضيل، وأنتَ أيها المسلم عليك أنْ تتنقي أجمل العبارات، ومن لطفه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يقابل أحدًا بما يكره.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
((لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ))

(رواه البخاري)

فالسلف الصالح كانوا يقولون عند معاتبتهم شخصًا: اللهم ارضَ عليه، فلان أغضبني، سامَحَه الله، تجد كلمات أحياناً من امرأة أمية، لكن ليس عندها كلمة قاسية، حتى لو أنها عتبت على ابنها، حتى لو أنها غضبت عليه: الله يسامحه، الله يبعث له الهناء، واللهِ الكلام اللطيف جميل، " ماله تربت جبينه"، اللهم صلِّ عليه، والحقيقة أن الإنسان بالكلام الطيب تلين له القلوب، والفرقُ بين الذي يحسن والذي يسيء الكلمةُ الطيبة، النبي قال:
((الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ))

( البخاري: عن " أبي هريرة " )

يمكن ألاّ تشعر بهذه القيمة أمام أندادك، أحياناً يكون صاحب محل عنده صانعون، مدير مؤسسة عنده موظفون، مدير مدرسة عنده مدرسون، مدير مستشفى عنده ممرضون مثلاً، لا تعرف قيمة الكلمة الطيبة إلا القمّة، أحياناً مدير مستشفى رأى ممرضًا أو آذنًا: كيف الصحة يا بني، إن شاء الله أنت مرتاح ؟ يظل شهرًا ذائبة نفسُه، لم يكلفك شيئًا، شعر أنك أب له، فالكلمة الطيبة من معلم لتلميذ، من طبيب إلى مريض، من مدير إلى موظف، من أب إلى ابن، أحياناً يكون عندك خادم، أو بجوارك إنسان ضعيف، الكلمة الطيبة لكلٍّ منهما صدقة.
ذات مرة كنتُ قد ذكرت لكم عن قريب لي كان في العربية السعودية يعمل في التدريس، قال لي: عندنا فراشون - أي خَدَم، وبلُغَتِنا أذَنة، هؤلاء يأتون من دول بعيدة، وراتبهم أحدهم خمسمئة ريال بالشهر، ويعملون أشق الأعمال، هذا الفراش ليس تابعاً للمدرسة، بل هو تابع لشركة تنظيفات، وهناك شركات للتنظيف عندها موظفون يأتون من بلاد آسيا الجنوبية الشرقية -فهؤلاء الذين ينظفون المدرسة، لهوانهم على مَن في المدرسة من مدرِّسين، ومن طلاب لا يسلِّمون عليهم أبداً، كأنهم ليسوا من بني البشر، فأحدهم كان ينظِّف غرفة المدرسين، وزميل مدرس، صب كأس الشاي ليشربها، فقرع جرس الدرس، يبدو أن هناك دقة بالغة، فما أحبَّ أن يتأخر، فقال للفراش: تفضل، وليس هذا مبادرة منه، لكن قرع الجرس، وكان قد صبَّ كأس الشاي، هذا الذي أخذ كأس الشاي وشربها، هذا العمل فعل في نفسه فعل السحر، أنّ المدرِّسَ ضيَّفه كأس شاي.
ففي اليوم التالي قال له: ما الذي حملك على أن تفعل هذا ؟ قال له: أنا مسلم، وأنت أخ في الإنسانية، وأنا عندي درس، ثم جرى بينهما صار حوار، فهذا الفراش تبيَّن أنّه يحمل ماجستير في الكيمياء، أحضروه إلى البيت، وأتوا له بقاموس دائرة معارف باللغة الأجنبية فقرأ فيه بطلاقة، سألوه أدقَّ الأسئلة، فكان كلامه صحيحًا، وتحاوروا معه، وبعد خمسة أو ست جلسات أسلم، وأسلم من معه ممن حوله.
كأس شاي تقدِّمه لإنسان بتواضع وبأدب فتغيِّر منهج إنسان !! فمَا أبْعدَ المسلم عن مستوى رسالته، هذه القصة أرويها لأن الكلمة الطيبة صدقة، كما قال عليه الصلاة و السلام.
حدثني أخ من إخواننا، واللهِ لا أرويها فخراً، قال لي: اشتريتُ بيتًا بمدينة دوما، ولنا جار كلما شعَر أنّي بالبيت أنقل الأغراض يُحضر لنا إبريقًا من الشاي، مرتين، وقد أعانه في نقل الأغراض، قال له: والله أنا شاكر لك، لكن لا يوجد معرفة سابقة، فقال له: أنا أذهب إلى المسجد، وأنت معنا فيه، وقد كان لا ينتبه إليه، قال له: كيف جئت إلى المسجد ؟ فقال: واللهِ جرَّني شخصٌ جرًّا، والأستاذ سلَّم عليّ باحترام فأحببتُه، هذا سلام باهتمام فقط، فقلت: يا رب سلام باهتمام فقط ربط إنسانًا بمسجد ؟! وأنا لا أذكر القصة، إلا أنّه قال لي: هذا جارنا، فقلت له: أهلاً وسهلاً، الله يعطيك العافية، عينك عليه، لم يكلفني غير الكلمات، لكن اهتمامك بالأشخاص مردودُه كبير، فالكلمة الطيبة صدقة، والسلام بحرارة تكسب بهما صديقًا مؤمنًا، فإذًا لا تضنَّ بابتسامة، ولا بسلام حار، ولا بمصافحة، لا بسؤال عن الصحة، لا بتعزية، لا بمواساة، بعيادة مريض، كلها تنمي العلاقات، وتجعل المسلمين كتلة واحدة، أخوك مرض يجب أن تزوره، تزوج يجب أن تهديه هدية ولو كانت بسيطة، بعشرين ليرة، لا أقول هدية ثمينة، لكن لها اعتبارها، فيها معنى المودة، تهادوا تحابُّوا، ممكن أن تقدِّم له شيئًا لا يذكر، هذه إمكانيتُك، ليس لك عنده، ولكنها عربون مودة.
على ذكر الكلمة الطيبة صدقة، إذا دخلت البيت، فقل: السلام عليكم، كان الصحابة إذا سار اثنان منهم معًا، وفرّقت بينهما شجرة بعد أن يلتقيا مرة ثانية، يقول أحدُهما للآخر: السلام عليكم، نكون مع بعضنا ثم ندخل إلى السيارة، السلام عليكم، واللهِ شيء جميل، فمتى دخل بيتَه فليقل: السلام عليكم، جلس فليقل: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم ليسِّلم، يقول الشيطان لمَن معه: ليس لكم هنا مبيت، وإنْ سمَّى صاحبُ البيت قال الشيطانُ: ليس لكم عشاء، فإنْ لم يسلم قال: أدركتم المبيت، فإنْ لم يسمِّ قال الشيطانُ: أدركتم العشاء، فكل الليل خلافات و مشاجرات، أما لو قال: السلام عليكم لذهب الشيطان مهزومًا مخذولاً، فالكلمة الطيبة صدقة، كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس لطفاً.
روى أبو نعيم في الدلائل عن أنسٍ رضي الله عن قال:
((كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس لطفاً، والله ما كان يمتنع في غداةٍ من عبدٍ ولا أمةٍ تأتيه بالماء، فيغسل وجهه بالماء وذراعيه، وما سأله سائلٌ قط إلا أصغى إليه، فلا ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما تناول أحدٌ يده قط، إلا ناوله إياها، فلا ينزع صلى الله عليه وسلم يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها منه))

كان إذا صافح لا يسحب يدَه حتى يسحب الذي صافحه يدَه، وإذا ويُقبِل على محدِّثُه حتى ينصرف عنه محدِّثُه، هذه خلقه عليه الصلاة و السلام.

***

ننتقل إلى انبساطه صلى الله عليه وسلم مع الأهل وذوي القُربى، فروى مسلم في صحيحه عن سعدٍ بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه أنه قال:

(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله، يلاطفهنّ ويمازحهنّ، ويعاملهنّ بالود والإحسان))

الإنسان العظيم خارج بيته عظيم، أما في بيته فواحد من أهل بيته، كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، فإذا كان الإنسان روحُه مرِحة مع أهل بيته، ومع أولاده، فهذه علامة نجاحه في زواجه، أهلك أقرب الناس إليك، ما الذي يمنعك أن تكون مرحًا معهم ؟ اسمع من طُرفهم في مدرستهم، أنت حِّدثهم عن طرفًة لطيفة، كن لطيفًا، داعبهم، لاعبهم، تكلم معهم كلامًا طيبًا، كان عليه الصلاة والسلام كريم العشرة مع زوجاته وسائر أهله، يلاطفهن ويمازحهن، ويعاملهن بالود والإحسان.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))




وعن عباسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((خيركم خََيركم للنساء))

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ))

( رواه الترمذي )

يبدو من خلال هذه الأحاديث التي تؤكِّد أن علامةَ الخُلق الحسن الخلُقُ الحسن في البيت، والسبب أن الإنسان خارج البيت مراقَب، من زملائه، ممن دونه، من مرؤوسيه، من عامة الناس، والإنسان بحكم فطرته حريص على سمعته، فحرصه على سمعته، وعلى انتزاع تقدير الآخرين يدفعه لملاحظة نفسه و سلوكه، قلت لكم في درس سابق: إن الإنسان بحاجةٍ ماسة إلى التقدير، بأنْ يقدِّره الآخرون، هذه حاجة اجتماعية عند الإنسان. فلهذه الحاجة الاجتماعية، ولتقدير الآخرين تجده خارج البيت لطيفًا، فيعتذر إنْ أخطأ، يحاول أنْ يعمل عملاً جيدًا، لكن أين المكان الذي ليس فيه رقابة ؟ البيت، ففي البيت لا رقيبَ إلا الله عزَّ وجل، لذلك قال عليه الصلاة والسلامِ:
((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ))

( من سنن الترمذي: عن " عائشة " )

وقال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ ))

(الترمذي)

واللهِ ؛ الذي أرجوه لكم أن تكون بيوتكم جنة، يكون بيته صغيرًا لكنه جنة، الأكل خشن لكنه في الجنة، ليس هناك فخامة لكن يشعر أنّه في الجنة، فالجنة لا تأتي من الأثاث الفخم، ولا من الأقواس، ولا من الثريات، ولا من البراد المليء بالحاجات، لا، فالجنة مودة بينك وبين زوجتك، مودة، حب، رحمة، احترام متبادل، مشاعر مشتركة، هذه هي الجنة، فمِنَ الممكن أن يكون لك بيت متواضع، صغير، أثاثه بسيط، والأكل خشن، ولكن المودة موجودة بين الزوجين، والله عزَّ وجل يقول:
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾

( سورة الروم: من آية " 21 " )

هذا تصميم الله عزَّ وجل، هذا المخطط الإلهي، هذا الأصل في الزواج المودة والرحمة، فأعجز إنسان من عجز أن يكون سعيداً في بيته، هناك ظروف صعبة خارج البيت، هناك قُوى لا تملكها، قد تكون موظفًا، ولك رئيس صعب في الوظيفة، إنْ أحسنتَ لم يقبل، وإن أسأتَ لم يغفر، إن رأى خيراً كتَمَه، وإن رأى شراً أذاعه، سيئ، أما بيتك فهو مملكتك، فالإنسان إذا لم يكن مرتاحاً خارج البيت فلا أقلَّ من أن يكون داخل البيت مرتاحًا، لأنه لو توافرت السعادة داخل البيت، لامتصَّتْ كلَّ المتاعب خارجه، أما في الداخل فجحيم، وفي الخارج جحيم، والله إنها لحياةٌ لا تطاق، أنا أدعو إخواننا الكرام بقدر الإمكان، وبحسب السُّنة أنْ يجعل بيته جنة، بالتسامح مرة، وبالعطف مرة، وبالنصيحة مرة، وبالخدمة مرة.
وروى ابن سعدٍ عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ؟ تكلمي لنا عنه ضمن بيته، ففي الخارج معروف هو رسول الله، ولكننا نريد أخلاقه في وسط البيت ؟ قالت:
((كان ألين الناس بساماً ضحاكاً لم يُر ماداً رجليه بين أصحابه وذلك لعظيم أدبه وكمال وقاره))

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ - أي صغيرة - لَمْ أَحْمِلْ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ - فالمعنى أي أنها كانت جلد وعظم - فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ لِي تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ فَسَكَتَ عَنِّي حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ ـ سمنت قليلاً -وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ بِتِلْكَ * أي تعادلا، "هذه بتلك))

(رواه أحمد)

هذه لها معنى كبير، نزل إلى مستواها وكانت جارية، هذا النبي العظيم، سيد الخلق، حبيب الحق، جاءه القرآن، حمل عبء الرسالة، فلا أحدَ أعظم منه في العالَم، أعظم شخص أنيطت به أكبر رسالة، ومع ذلك عنده زوجة صغيرة جارية، قال: تعالَيْ أسابقك، فما الذي يمنعك أنْ تكون مرحًا في البيت، لطيفًا، صاحبَ دعابة، صاحبَ نكتة، بسَّامًا، ضحَّاكًا، تتساهل ؟ هذا ممَّا يجعلك أسعد الناس، وهكذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان عليه الصلاة والسلام يعين أهله في الأمور البيتية، وهذه أيضاً نحن مقصرون فيها، كان يعين أهله في الأمور البيتية، لكنْ بعض الناس يرى إذا أراد أنْ يحقِّق رجولته فيجب ألاّ يتحرك أيَّة حركة في البيت، بينما النبي على عظمته كان يعين أهله في الأمور بيته.
وروى البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ:
((مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ))

وفي هذا تنبيه للأمة أن يسيروا على هذا الكمال، ولا يكونوا من جبابرة الرجال، خاصةً مع الأهل والعيال.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً في مناسباتٍ متعددة، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ))

أنا والله أشعر أيها الإخوة إذا كان الإنسان مع أهله - ولا زلنا بصدد معالجة موضوع الأهل - يعيش في مودة، في حب، فالله يرزقك، والله يفرح بهذين العبدين، لأن الشغب، والشقاق والخصومات تفكِّك الحياة الزوجية و، تصرف الإنسان عن صلاته، وإنْ صلاّها صلاَّها متوتِّرَ النفس، ودائماً في حالة هياج وغضب، لذلك قال:
((اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ))

وفي سنن الترمذي وابن ماجة حَدَّثَنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَّرَ، وَوَعَظَ فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً فَقَالَ:
((أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا))

فالنبي يوصيك بهن، فإذا كنتَ تحبُّ شخصًا كثيرا، فقدْ يكون في دائرة عملك مديرٌ مهم، وعندك موظف دونك، وقال لك: هذا عينك عليه، هذا وصيتي عندك، واللهِ تعتنِي به عناية بالغة، فكرامةً لعينِ المدير تكرم مرج عيون، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام أوصاك بالنساء، هذه امرأة ضعيفة، قد تكون مزعجة، لكنك أنت أعلى منها، أنت أوسع منها، بطولتك ليست مع امرأة متفوقة في الكمال، بطولتك مع امرأة مزعجة، وباحتوائك وامتصاصك لانفعالاتها وحركاتها الهوجاء تعبِّر عن كمالك.
وإن شاء الله نتابع حديث الشمائل النبوية، فهذا الموضوع مهمٌّ، والنبي عليه الصلاة والسلام مهمَّتُه الكبرى في كونُه القدوةَ لنا، وهذا الوضع الكامل، دائماً نحن نوازن بين واقعنا وبين هذا النبي العظيم، بهذا الخلق الكريم، ونحاول أنْ نقلد، نحاول أنْ نتقدم، ونحاول أنْ نوفِّق سلوكنا مع سلوك النبي عليه الصلاة والسلام.
والحمد لله رب العالمين


الصفحة الرئيسية

السيرة

السيرة النبوية

الشمائل المحمدية

الشمائل المحمدية 1995م
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

واثقة بالله

مشرفة
طاقم الإدارة
الاشراف
عضوية ماسية
عضو
إنضم
5 أكتوبر 2013
المشاركات
7,952
مستوى التفاعل
23,975
النقاط
122
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
اللهم صل وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وسلم
جزاك الله ووالديك الفردوس الاعلى وجعله في ميزان حسناتك
ووفقك لكل خير وبارك الله فيك وفي ذريتك ومالك واهلك ودينك

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً(64)﴾
اتأثر بها كثيرا

بعض الاحاديث الواردة في الموضوع غير صحيحة وقد حذفتها وهي :

1- { يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في إحدى طرقات المدينة
فرأوا في الطريق إنسانا مجنونا فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه سؤال العارف
فقال : من هذا ؟ قالوا : هذا مجنون قال : لا
هذا مبتلى ، المجنون من عصى الله }

حديث أنس حديثٌ منكر
يشبه أن يكون من كلام بعض التابعين أو الصحابة (=المقاطيع أو الموقوفات)..
فجاء صالح المري -وقد شغله صلاحه،وغلبه زهده عن حفظ الحديث وإتقانه ..
حتى صار غالب ما يرويه لا يُوافَقُ عليه- فأسنده -توهّما-وجعله من قيل نبينا صلى الله عليه وسلم -غفلةً-..
وطفق يقص به في مسجد البصرة والعامة مشدوهون إليه كأن على رؤوسهم الطير من حسن
ما يعظهم به !! لكن ليس كل كلام حسن يصلح ويصح أن ينسب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم


2- { يا رسولَ اللهِ ، أرأيتَ قولَ اللهِ – عزَّ وجلَّ – أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ما عنى به ؟ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : أيكم أحسنُ عقلًا ، ثم قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : أتمُّكم عقلًا أشدُّكم للهِ خوفًا ، وأحسنُكم فيما أمرَ به ونهى عنه نظرًا ، وإن كان أقلَّكم تطوُّعًا}
الراوي : أبو قتادة / المحدث : ابن حجر العسقلاني / المصدر : المطالب العالية
الصفحة أو الرقم: 3/209 / خلاصة حكم المحدث : موضوع
جميع ألفاظ الحديث موضوعه ومنكره ولا اسناد لها



3- { إن من أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا وألطفُهم بأهلِه }
الراوي : عائشة أم المؤمنين / المحدث : الألباني / المصدر : ضعيف الترمذي


الصفحة أو الرقم: 2612 / خلاصة حكم المحدث
: ضعيف
وقال الترمذي لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة


4- أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا
الحديث صحيح لكن الزيادة الكلمة الاخيرة { خُلُقًا } لم تثبت فيصبح الحديث
{ أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ }


ولك جزيل الشكر
 
إنضم
6 يناير 2015
المشاركات
11,520
مستوى التفاعل
21,459
النقاط
122
الإقامة
السعودية
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا وحبيبنا محمد
جزاك الله كل خير ياختي
ورزقک من حيث لاتحتسبين
وجعلک ربي من اهل الفردوس الاعلى انتي وجميع من تحبين
بجانب حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
شكرا لک اختي على الموضوع
 
إنضم
1 يوليو 2013
المشاركات
1,204
مستوى التفاعل
3,578
النقاط
122
الإقامة
بلاد الحرمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى
آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
جزاك الله كل خير أختي الفاضلة / بنت فاطمة ووفقك لكل خير.
 
إنضم
1 ديسمبر 2014
المشاركات
95
مستوى التفاعل
180
النقاط
37
بِسْم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العفو والتسامح وكظم الغيظ وضبط النفس
‏2 فبراير، 2011‏، الساعة ‏04:47 صباحاً‏
- العفو والتسامح وكظم الغيظ وضبط النفس

عند الغضب والمصائب من الأخلاق الإسلامية العظيمة، الذي هو أبلغ في التعبير من الكلمات، وأقوى في التأثير من العبارات والمقالات، وأوضح في الخطاب من ضوء الشمس، وأهدى في معناه من نور القمر.

- وهو يدل على قوة الشخص، وعلى سلامة النفس من الغل والحقد والحسد وعلى صفاء القلب من الروح العدوانية.

- إن التحلي بالعفو يريح النفس ويطمئن القلب.. كما يريح الأعصاب ويغني عن كثير من الأدوية.. لأنه يجعل صاحبه بعيدا عن توتر الأعصاب والقلق والاضطراب، وارتفاع ضغط الدم الذي يسبب كثيرا من الأمراض.. وذلك لأن صاحب القلب الخالي من العفو يملأ قلبه بالغل والحقد والحسد والتشفي والأخذ بالثأر، وهذا كله إعصار وبركان في النفس لا يهدأ حتى ينتقم فيقع فيما يندم عليه فيما بعد.

- والعفو: من أسماء الله الحسنى، " إن الله كان عفوا غفورا " ومعناه: أنه كثير العفو

- والعفو: صفة من صفات الله تعالى، ولولا عفوه تعالى عن خلقه ما ترك على الأرض من دابة.. قال الله تعالى " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى "

- والعفو: لولاه ما رزق الله تعالى عباده، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):"ليس أحد أو ليس أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنهم ليعافهم ويرزقهم".

- والعفو: هو خلق الأنبياء والمرسلين في عفوهم عن أقوامهم وهم يؤذونهم ويعذبونهم.

- والعفو: هو خلق العظماء والسادة من الناس، وليس خلق الضعفاء والعبيد.

- والعفو: هو خلق الكرام من الناس وليس خلق الحقراء والأراذل من الناس.

- والعفو: يورث حب الله قال تعالى:" والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"

- والعفو: يورث حب الناس فإن الناس يحبون من يعفو عنهم.

- والعفو: يورث العز في الدنيا والآخرة قال (صلى الله عليه وسلم):" ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ".

- والعفو: سبب مغفرة الله تعالى " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم "

- والعفو: هو سر الحب المستمر بين المحبين، وهو علامة على حب الله للعبد الذي يتخلق به، وهو فرصة لتقارب القلوب والتآلف بينهما، وهو يريح من الكثير من الأمراض التي تدمر الأعصاب، فمن عفا عن الناس عفا الله عنه، ومن سامح الناس سامحه الله.

- فمن أراد أن يعفو الله عنه فعليه أن يعفو عن الناس، ومن أراد أن يسامحه الله فعليه أن يسامح الناس.

- وأهل العفو: هم أهل الإحسان، وهم أحباب الله تعالى، وهم الأقوياء العظماء الكرام.

هو العفو فعفوه وسع الورى *** لولاه غارت الأرض بالسكان

- العفو في القرآن الكريم:

- قد أشار القرآن الكريم إلى العفو فقال تعالى " إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا "وعفو الله تعالى مع قدرته على خلقه هو العفو عند المقدرة.. وليس أحد أقدر على الخلق من الخالق.. ومع ذلك يعفو عنهم.

- وقد جعل العفو من عزم الأمور قال تعالى " ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور "

- وأمر تعالى بالعفو في قوله تعالى " وليعفو وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " ومن من الناس لا يحب أن يغفر الله له؟! فلماذا لا يعفو؟

- وأمر الله نبيه بالعفو فقال " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين "

- ومدح العافين عن الناس ووصفهم بالمحسنين فقال تعالى " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "

- وجعل أجر العفو على الله وليس على الناس فقال تعالى " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " .. وهذا العفو ليس من مدير ولا رئيس ولا وزير ولا سلطان ولكنه من الله.. والله هو الجواد الكريم فلا يجعل أجر العفو إلا الجنة.. كما قال تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " والحظ العظيم هو الجنة..قال قتادة: الحظ العظيم هو الجنة.

- كما ذكر القرآن عفو يوسف (عليه السلام ) عن إخوته بعدما فعلوا ما فعلوا به وقال لهم " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم" فهو لم يعاتبهم على ما فعلوا به.. بل عفا عنهم دون أي كلمة لوم أو توبيخ

- العفو في السنـــــة:

- السنة بها العديد من الأحاديث والمواقف النبوية التي تمدح العفو وتحث عليه ومنها: حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) المتفق عليه قال: قال رسول الله

- (صلى الله عليه وسلم):"ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"

- قال ابن عثيمين (رحمه الله): "لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فيفور دمه، فإن كان قويا ملك نفسه وإن كان ضعيفا غلبه الغضب.. وهذا الإنسان الذي لا يملك نفسه عند الغضب يكون قلبه به الكثير من الغل والحقد والحسد وروح العدوان وإيذاء الآخرين"أ.هـ

- ويبين (صلى الله عليه وسلم) أن العفو يورث العز ففي مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".

- وقال (صلى الله عليه وسلم):"من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيخيره من الحور العين ما شاء"..وقال أيضا:"حرام على النار كل قريب لين سهل قريب من الناس".

- وهل هناك عفو مثل عفو النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الأعرابي الذي جاء والنبي نائم تحت شجرة وسيفه معلق بها فأخذ السيف واستيقظ النبي والسيف في يده وهو يقول: من يمنعك مني يا محمد فقال النبي:الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي وقال: ومن يمنعك مني فقال: كن خير آخذ يا محمد فعفا عنه وهو الذي أراد قتله، فرجع إلى قومه يقول لهم جئتكم من عند خير الناس. فأي عفو أعظم من هذا.

- ولأهمية العفو نجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو بهذا الدعاء وخاصة في ليلة القدر: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

- والأحاديث كثير جدا والمواقف أكثر لكن نكتفي بهذا.

- أقوال في العفــــو:

- قال أبو بكر: بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديا يوم القيامة فينادي من كان له عند الله شيء فليقم أهل العفو فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس.

- قال معاوية: عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال.

- وقال: لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعت إن جذبوها تبعتهم وإن جذبتها تبعوني لكي لا تنقطع.

- قال إبراهيم البلخي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.

- ولله در القائل:

إذا ما الذنب وافى باعتذار *** فقابله بعفو وابتسام

- وهذا ابن مسعود ( رضي الله عنه): ذهب ليشتري الطعام فلما أراد أن يدفع الثمن وجد أن الدراهم سرقت فدعا الناس على السارق، فقال ابن مسعود: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنوب فاجعله آخر ذنوبه.

- فالمسلم هينا لينا سمحا نقيا، سهلا عفوا قريبا من الناس، متوددا إليهم، باذلا لهم، ناصحا إياهم، ملتمسا لهم الأعذار في تصرفاتهم.

- قال ابن القيم (رحمه الله): "يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لا يعلمها إلا هو وإنك تحب أن يغفرها لك الله، فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده، وإن أحببت أن يعفو عنك فاعف أنت عن عباده، فإنما الجزاء من جنس العمل"..

- تعفو هنا يعفو عنك هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك.

- قال الشافعي:

قالوا سكت وقد خُصمت قلت لهم *** إن الجواب لباب الشر مفتــــــاح

فالعفو عن جاهل أو أحمــق أدب *** نعم وفيه لصون العرض إصلاح

إن الأسود لتُخشى وهي صامتــة *** والكلب يحثى ويرمى وهو نبــاح

- وهذا عمر الفاروق: يعفو عن الناس جميعا ويقول: كل الناس مني في حل.

- وهذا عمر بن عبد العزيز يقول: إنك إن تلقى الله ومظلمتك كما هي خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها.

- [إن مما يشرف الله به النيات ويرفع به الدرجات أن تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعــــــــك]..

- قال أنس: في قوله تعالى" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" قال: هو الرجل يشتم الرجل فيقول له إن كنت كاذبا فغفر الله لك وإن كنت صادقا غفر الله لي.

- آثار العفـــــــو:

- للعفو آثار طيبة وعظيمة على العبد في الدنيا والآخرة على الفرد والمجتمع، فما ذكرنا سابقا هو راجع في الغالب على العبد في الآخرة من الثواب العظيم والرفعة والجنة.

- أما في الدنيا فراحة النفس وطمأنينة القلب وهدوء البال وسلامة الأعصاب وصحة الجسد، وسعادته في الدنيا وهذا كله يعود على الفرد.

- أما على المجتمع: فتآلف القلوب وتماسك الصفوف وطهارة المجتمع من أمراض الغل والحقد والحسد وقلة الجرائم من السرقة والقتل.. غير ذلك من قلة القضايا التي تثقل كاهل القضاة في أمور تافهة من جراء عدم العفو والصفح.

- أما من الناحية الصحية والنفسية: فهناك فوائد كثيرة لمن يعفو عن الناس

- فمن الناحية النفسية: فقد ذكر علماء النفس أن الرضا عن النفس وعن الحياة يعالج كثير من الأمراض والاضطرابات النفسية.

- وقد ذكرت مجلة (دراسات السعادة) أن هناك علاقات وثيقة بين التسامح والمغفرة من جهة وبين السعادة والرضا من جهة ثانية، وقد تم إجراء دراسة على عدد من الأشخاص عن طريق توجيه عدد من الأسئلة.. وقد ثبت أن أكثر الناس سعادة هم الذين يعفون عن الناس.

- ويطلق علماء النفس على التسامح أنه يسمح للشخص بإطلاق مشاعره السلبية الناتجة عن غضبه من الآخرين بطريقة ودية.

- أما من الناحية الصحية: فالعفو يقي الإنسان من العديد من الأمراض.. فقد ذكرت دراسة أن هناك علاقة بين العفو وأمراض القلب.. وأن أقل الناس إصابة بأمراض القلب هم أهل العفو.

- فهم لا يعانون من ضغط الدم والقلق والتوتر فهو يخفف نسبة موت الخلايا العصبية في الدماغ.. كما ثبتت الدراسات أن العفو يقوي جهاز المناعة لدى الإنسان وهو علاج قوي لعلاج الأمراض.

- وقد ذكرت دراسة أمريكية حديثة صورت من جمعية الطب السلوكي أثبتت أن العفو والتسامح يساعدان على تخفيف ضغط الدم والتوتر النفسي والقلق.

- وختاما: نقول لو أن الناس أخذت بالعفو لحافظوا على صحتهم وأنفسهم وأعصابهم.. ولكانوا في غنىً عن كثير من الأمراض العصبية والنفسية من القلق والتوتر العصبي والنفسي.. وأمراض القلوب من الغل والحقد والحسد ..وكان المجتمع في غنى عن كثير من القضايا التي ترهق القضاء وتكلف الدول أموالا طائلة.

- "والله نسأل أن يجعلنا من أهل العفو والصفح، حتى نكون من المحسنيــن" اللهم آميــن
(منقول )
 
إنضم
1 ديسمبر 2014
المشاركات
95
مستوى التفاعل
180
النقاط
37
بِسْم الله الرحمن الرحيم
معالم في الطريق الى الله
قد يسير المرء في الطريق إلى الله تبارك وتعالى لسنــوات، يطلب فيها العلم ويستمع للمواعظ .. ولكن عندما يبحث عن أثرٍ لهذا العلم لا يجده! .. وبعد أن كان نشيطًا ومتحمسًا في بداية الطريق، يشكو الآن من فتوره وضيــاع إيمانياته وسط بحر الدنيـــا والانشغالات ..

لذا يحتــاج الإنسان منَّا بين الحين والآخر أن يتوقف ويحـــاسب نفسه، ويسألها عن ثلاثة أشيــاء:

1) ماذا عَرِفَ عن ربِّه؟ .. 2) ماذا عَرِفَ عن نفسه؟ .. 3) ماذا عَرِفَ عن الطريـــق؟

وما سوى ذلك فهو انشغال بمفضولات عن الفاضل،،



الطريقة المُثلى لتعلُّم العلم النــافع ..

أما العلم المنشود الذي يتحقق به الهدف، فقد فصَّله الإمام ابن القيم، فقال:

"للإنسان قوتان: قوة علمية نظرية، وقوة عملية إرادية .. وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه: العلمية والإرادية، واستكمال القوة العلمية إنما يكون:

1) بمعرفة فاطره، وبارئه .. ومعرفة أسمائه وصفاته ..

2) ومعرفة الطريق الذي توصل إليه ..

3) ومعرفة آفاتها ..

4) ومعرفة نفسه ..

5) ومعرفة عيوبها ..

فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية، وأعلمُ الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها" [الفوائد (1:19)]

فإذا لم تعرف طبيعة الطريق الموصلة إلى الله عزَّ وجلَّ والعوائق التي عليه، لن تستطيع أن تسير فيه وعند مواجهة أول ابتلاء لن تستطيع أن تَثْبُت .. فلابد أن تتعلَّم تلك الأمور الخمسة التي ذكرها الإمام ابن القيم .. وإن لم تتوصل بالعلم الذي تطلبه إلى معرفة ربَّك ونفسك وطبيعة الطريق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى، فليس هذا هو العلم المنشود.



ولا تنشأ القوة العملية للإنسان إلا عن المعرفة ..

يُكمِل ابن القيم قائلاً "واستكمال القوة العلمية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه على العبد، والقيام بها إخلاصًا وصدقًا ونصحًا وإحسانًا ومتابعةً وشهودًا لمنته عليه، وتقصيره هو في أداء حقه، فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة؛ لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه ودون ذلك، وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته .. فهو يهديه الصراط إما المستقيم الذي هدي إليه أولياؤه وخاصته، وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال، وإما قوته العملية فيوجب له الغضب" [الفوائد (1:19)]

فإذا فسدت قوته العلمية .. وقع في الضلال ..

وإذا فسدت قوته العملية .. وقع عليه الغضب ..

ولا تتم سعادة الإنسان إلا باجتماع العلم والعمل،،



أصول معرفة الطريــق المستقيم من سورة الفاتحة ..

يقول ابن القيم "فكمال الإنسان وسعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، وقد تضمنتها سورة الفاتحة وانتظمتها أكمل انتظام فإن قوله:

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (*) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (*) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2,4]

يتضمن الأصل الأول، وهو: معرفة الربُّ تعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله .. والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي: اسم الله والربُّ والرحمن .

فاسم الله متضمن لصفات الألوهية، واسم الربُّ متضمن لصفات الربوبية، واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والجود والبر .. ومعاني أسمائه تدور على هذا.

وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .. يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه، وأنها ليست إلا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته.

وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] .. يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة على الصراط إلا بهدايته.

وقوله: {.. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] .. يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد، والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل .

فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة" [الفوائد (1:19)]



طبيعة السبيـــل إلى الله عزَّ وجلَّ

لقد وردت الأصول لمعرفة الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ في سورتي المزمل والإنسان، التي وضحت لنا الأسس والدوافع لاتخاذ السبيـل إلى الله تبــارك وتعالى ..

أُسس السيــر إلى الله تعالى من سورة المزمل ..

الأساس الأول: المنهج الربَّاني لإدارة الحيــــاة ..

قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (*) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (*) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (*) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (*) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (*) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (*) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (*) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 1,8]

فوضحت لنا السورة الكريمة الأربعة الأسس التي ينبغي أن يُقيم عليها العبد سيرهُ إلى الله تعالى، وبها يكون الثبــات والاستقامة .. وتلك الأسس هي:

1) القيــــام .. ولن يكفيــك مجرد ركعتين قصيرتين قبل الفجر، وإنما أن تقوم الليـــل وتقضي لحظــات المنــاجــاة للتعرُّف على ربِّكَ عزَّ وجلَّ.

2) تلاوة القرآن .. ولن تُجدي القراءة السريعة بهدف جمع الحسنـات، إنما أن تُرَتِل القرآن وتتذوق كلماته وتستشعر معانيه؛ فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبُّر والتفكُّر، وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته، والتهيؤ والاستعداد التام له [تفسير السعدي] .. حتى يوفقك الله سبحانه وتعالى للسير في طريقه المستقيم.

3) ذكر الله سبحانه وتعالى .. وقد بينت الآيات أن الإنسان سينشغل في أعماله اليومية وسيقع تحت سطوة الغفلة؛ لذا عليه أن يتحصَّن بذكر الله تعالى وبذلك يقي نفسه من شر فتن الدنيـــا .. فليكن شعارك دائمًا:

اعمل ولا تغْفَل،،

4) التبتُل .. خُذ بحظك من العزلة وانقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه. [تفسير السعدي]



الأساس الثاني: التوكل على الله تعالى وعدم الركون على الأسبـــاب ..

قال تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 9]

وفيها تذكرة للعُبَّاد أن كل ما سخره الله تعالى لنا ما بين المشرق والمغرب مربـوبٌ لله عزَّ وجلَّ، فتوكَّل على مُسبب الأسباب ولا تركن إلى السبب.

وفي الطريق سيحدث منك التفاتًا يمنة ويسرى، فيركن قلبك على الدنيا والمال وينشغل بالنعمة عن المُنْعِم .. والله سبحانه وتعالى هو ربُّ المشارق والمغارب، فاتخذه وكيلاً وفوِّض أمرك إليه ..

لا تركن بقلبك على السبب، وتذكَّر دائمًا أن الله تعالى هو الوكيــــل،،



الأساس الثالث: الصبـــر على الابتــلاء وهجر المخالفين ..

قال تعالى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]

تذكرة للعُبَّاد بأن الدنيا دار ابتلاء وفتن، وأنه لا سبيل للنصر إلا بالصبــــر .. وأنه بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .. ومما يُعين العبد على ذلك هجر المخالفين والابتعاد عن البيئات المفتنة والمثبطة.

ففي الطريق إلى الله تبارك وتعالى لابد أن تؤذى ويعاديك الأعداء وتلقى وساوس من الشياطين، وستجد من يتهمك بالفشل والضلال والكثيــر مما يصدك عن سبيـــل الله .. وقد تستمع لتثبيطهم أحيانًا وتُبتلى لتمحيص إيمانك وصدقك ..

فاصبر على إيذائهم وابتعد عنهم ولا تنصت لما يلوِّث قلبك ..

اهجر بيئة الدنيـــا المُفتنة،،



الأساس الرابع: الجحـــود أصل الكُفران ..

قال تعالى {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11]

فأصل الإنحراف والزيغ عن الطريق المستقيم، هو: جحـــود نعمة الله تعالى على العبد وعدم شكرها .. فهو ينسب النعمة لنفسه وينسى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أنعم بها عليه، فيكون جزاؤه العذاب الأليم؛ فإن الله تعالى يُمهِل ولا يُهمِل.

والشكــر ركن الإيمان الأعظم ..

وبدونه لن تؤسس إيمانك،،



وبعد أن ذكَّرت السورة الكريمة بيوم الميعاد وأهواله ..

قال الله عزَّ وجلَّ {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: 19]



أما في سورة الإنسان، فكانت التذكرة بما يلي:

أولاً: الحكمة من الخلق هي اختبـــار الكفر والإيمان ..

فتبدأ السورة بتذكرة الإنسان بأصله وأنه لم يكن شيئًا يُذكَر، قال تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (*) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 1,2] .. فيذكره بأصله؛ حتى لا يغتر ويعصي ويخــالف ربَّه.

قال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3] .. ثمَّ ذكر أن الله سبحانه وتعالى قد هدى الإنسان وبيَّن له الحلال والحرام وفرَّق له بين طريق الهدى وطريق الضلال؛ فمنهم مَن سيشكر ويؤمن، ومنهم مّنْ سيجحد مما يوقعه في الكُفر ..

فمن أصول الهدايـــة:: شُكــر النعمة ..

وأن أردت أن تُكمِل الطريق، عليك بالشكر ..

قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]



ثانيًا: صفــات المؤمنيــن الفائزين بجنــات النعيــم ..

بعد أن وصفت السورة بداية الطريق ومعالمه، ذكرت نهاية الطريق ومصير كلا الفريقين .. قال تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (*) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان: 4,5]

ثمَّ ذكرت صفات أهل الإيمان، التي بها سيُبلَغون نعيم الجنــان ..

1) الوفــاء في مقابل الخيانة .. {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ..} [الإنسان: 7]

2) الخــوف في مقابل الجرأة .. {.. وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]

3) البـذل في مقابل شُح النفس .. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: 8]

4) الإخلاص في مقابل الريــــاء .. {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}[الإنسان: 9]



وكان الداعي الذي دعاهم للإيمان وفعل الصالحات، هو: الإيمان بالآخرة والخوف من أهوالها ..{إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان: 10]

فنالوا الثمرة وبلغوا هدفهم الأسمى .. {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (*)وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 11,12]



وبعد أن وصفت السورة الجنة ونعيمها وصفًا دقيقًا، أكدت على الأسس اللازمة لسير الإنسان في الطريق إلى الله عزَّ وجلَّ .. وهي:

1) القيــام .. 2) تلاوة القرآن .. 3) الذكر ليلاً ونهارًا .. 4) الصبر والانقطاع لله تبارك وتعالى.

فقال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (*) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (*) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (*) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} [الإنسان: 23,26]



ثمَّ قال تعالى مؤكدًا {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الإنسان: 29]

ووقود الطريـــق، هو: الرحمة ..

{يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31]

اللهمَّ اهدنـــا إلى ســواء السبيـــل،،
 
  • إعجاب
التفاعلات: خادم الاسلام