السلام عليكم، و رحمة الله تعالى و بركاته
1. للمومن المسلم الموحد العقوبة سواء في الدنيا او في القبر او في الاخرة، قد يعذبه الله في الدنيا و قد يؤخر له العذاب في القبر و قد يعذب بدخول السعير و العياذ بالله ثم يتطهر و يدخل الجنة برحمة الله و قد يغفر الله له و يتجاوز عنه، الامر تحت مشيئة الله، الدليل من الكتاب :
قال الله عز و جل : (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير )(أل عمران: 165)
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول عز وجل: { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...} [القصص: 47].
وأما الآيات التي وردت في تقرير هذا المعنى فكثيرة جدا، ومن ذلك قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وكقوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقال جل وعلا: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 181، 182] في ثلاث مواضع من كتاب الله عز وجل.
ويقول سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحداً ولم يعذبه إلا بذنب".
_________
العقوبة هي حين تصيب الإنسان شدة نتيجة تدبير منه ، واختيار ، أو ممارسة فعلية خاطئة ، فهذا النوع من الابتلاء يصح أن نسميه عقوبة ، حلت به نتيجة ما قدمت يداه .و هو نتيجة لفعل من الماضي مثال بسيط
قطع يد السارق هي عقوبة
القصاص في القتل هي عقوبة، اقامة الحد هي عقوبة، التعزير و الجلد هي عقوبة...
اما الابتلاء حين تصيب الإنسان شدة من غير قصد منه ، ولا إرادة ، ولا تدبير ، فهذا الموقف هو ما يصح أن نطلق عليه اسم ( الابتلاء ) ، والعبد المؤمن مأمور حين يبتلى على هذه الشاكلة أن يصبر على الشدة ، وألا يقنط من رحمة الله ، وأن يسأل الله تفريج كربه .. وهو مأجور بإذن الله على ذلك كله .
و قد يكون هناك عقوبة يتبعها ابتلاء للمومن، مثال : مسلم موحد لكنه سكير يصاب بمرض خبيث بسبب الخمر، فالعقوبة نزلت عليه بسبب شرب الخمر، فالشاهد هو بسبب المرض، صبر لقضاء الله و ترك الخمر، هنا خرج من مرحلة العقوبة و دخل مرحلة الابتلاء و التمحيص و مكفرات الذنوب
_________
جزء من كتاب فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة
الفرق بين المصيبة والعقوبة:
الفرق الأول: كل عقوبة بذنب وليس كل مصيبة بذنب فقد تكون المصيبة بذنب فتصبح عقوبة وقد لا تكون , وبالتالي العقوبة يُشترط لها أن تكون جزاءً على ما مضى أي بذنب ماضي بخلاف المصيبة فلا يُشترط لها ذلك.
الفرق الثاني: العقوبة خاصة بالمكلفين أما المصيبة فقد يُصاب غير المكلف كالأطفال والبهائم ونحو ذلك.
قال الشيخ مرعي الكرمي - رحمه الله -، في كتابه " دفع الشبهة والغرر عمن يحتج على فعل المعاصي بالقدَر " قال: أنا نراه تعالى يؤلم الأطفال إلى الغاية، وكذلك بقية الحيوانات التي لا تكليف لها أصلاً. ولعل الجواب: أن هذا ليس من باب العقاب؛ لأن العقاب أن تقع تلك العقوبة في مقابلة الذنب بخصوصه، وأما هذا فلعله من باب الابتلاء والاعتبار: " فاعتبروا يا أولي الأبصار "، ومما يدل على أن هذا ليس من باب العقوبة أن الله سبحانه وتعالى لا يُعاقب أنبياءه ورسله الكرام، مع أنا نجدهم من أشد الناس بلاءً، وفيهم من قُتل ونُشر بالمنشار، فظهر أن جهة البلاء غير جهة العقوبة؛ لأن العقوبة هي التي تقع في مقابلة الذنب لما مر، لقوله تعالى: (ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)، وقوله تعالى: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقوله تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ)، وأما ما يقع لا في مقابلة ذنب؛ فهو بلاء وابتلاء من الله تعالى لعباده، لكن يبقى الكلام في نفس هذه الحكمة الكلية في هذه الحوادث، فهذه ليس على الناس معرفة أسرارها الحقيقية، ويكفيهم التسليم لمن قد علموا أنه بكل شئ عليم، وأنه أرحم الراحمين ". ... انتهى.
الفرق الثالث: المصائب تختلف عن العقوبات من حيث الدفع والرفع؛ فالمصيبة إذا لم تكن عقوبة تحتاج إلى الاستعانة بالله ودفعها بالسنن الطبيعية، والصبر والتقوى، والرضا وما إلى ذلك من أمور، أما العقوبة فتحتاج بالإضافة إلى ما سبق إلى التوبة والاستغفار والاستقامة.
الفرق الرابع: المصيبة لا تكون إلا ضراء وأما العقوبة فهي لا تقتصر على العقوبات الظاهرة الحسية المادية والتي تكون في قالب ضراء بل قد تكون في قالبسراء كبعض العقوبات المعنوية الخفية ومن ذلك استدراج العبد الفاجر بالنعم واتباع السيئة بسيئة أخرى وهذه أعظم العقوبات لمن نور الله قلبه بالحكمة , وقد روي أن رجلاً من بني إسرائيل قال: يارب ما أكثر ما أعصيك ولا تعاقبني فأوحى الله لنبي ذلك الزمان أن قل لذلك العبد: ما أكثر ما أعاقبك ولا تشعر بهذا.
• الفرق بين الابتلاء والعقوبة:
الفرق الأول: من حيث زمن الوقوع، فإن الابتلاء يكون في الدنيا، وأما العقاب فإنه يكون في الدنيا والبرزخ والآخرة.
الفرق الثاني: من حيث السبب والباعث , فإن الابتلاء يكون لاختبار حال الإنسان، كما في قوله سبحانه "لِيَبْلُوَكُ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" [الملك:2]. أو يكون، أو رفعة في الدرجات، أما العقاب فلا يكون إلا جزاءً على الذنب.
الفرق الثالث: الابتلاء عام للمكلفين من الجن والإنس فهو يقع على الأنبياء والصالحين، كما في الحديث "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ... ". أما العقاب فإنه خاص إذ يقع على أهل الذنوب والمعاصي فقط.
• الفرق بين المصيبة والابتلاء:
الفرق الأول: المصيبة لا تكون إلا ضراء أما الابتلاء فقد يكون بالضراء وقد يكون بالسراء.
الفرق الثاني: المصيبة تكون في الدنيا والبرزخ والآخرة وأما الابتلاء فلا يكون إلا في الدنيا.
الفرق الثالث: الابتلاء خاص بالمكلفين أما المصيبة فهي عامة تشمل المكلفين وغيرهم كالبهائم والأطفال.
• الفرق بين المصائب العامة والخاصة:
الغالب أن المصائب العامة هي عقوبات أما المصائب الخاصة التي تصيب الأفراد وآحاد الناس، فهذه قد تكون فعلاً عقوبة، وقد تكون ابتلاء من الله-عز وجل لرفعة العبد.
....انتهى.
فأعتقد أنه لايوجد حد فاصل وضابط يبين لنا على التعيين أن هذه المصيبة هي ابتلاء أو عقوبة علماً بأنه لاتعارض أن تكون المصيبة ذاتها هي ابتلاء وفي الوقت نفسه عقوبة على بعض الذنوب , ثم إنه لايلزم على المسلم التفريق وذلك لأن الموقف من العقوبات والمصائب واحدة تقريباً فالمطلوب منا كمسلمين أولاً الصبر ولاسيما الصبر الجميل الذي لاجزع فيه .
ثانياً مدافعة المصيبة قدراً وذلك بمحاولة إزالتها وتخفيف آثارها من خلال السنن الطبيعية والكونية فالمرض ندفعه بالعلاج .
ثالثاً المسارعة إلى محاسبة النفس والتوبة واللجوء إلى الله وإحسان الظن فيه