- إنضم
- 7 أكتوبر 2013
- المشاركات
- 54
- التفاعل
- 27
- النقاط
- 22

اﻷلم معنى غير محبب للنفوس، لكن من نظر في بعض المواقف التي حفظتها كتب السُنّة وكتب التراجم وبعض قصص المعاصرين، وجد أن اﻷلم يمكن أن ينتقل إلى معنى شريف، وحالةٍ يرجى لصاحبها المكانة العالية عند موﻻه.
والمعنى الجامع لهذا اﻷلم مردّه إلى الحسرة على فوات طاعة، أو اﻷلم على وقوع ذنب!
يصور لنا القرآن مشهداً من مشاهد اﻷلم الذي يعتصر القلوب على فوات طاعةٍ هم فيها معذورون، إنهم الذين جاءوا في ساعة العُسرة، راغبين في أن يحملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أي راحلة أو أي دابة! لكن الحال لم تكن لتسعف بشيء من ذلك .. هنا يأتي دور الدموع؛ لتعبر عما يختلج في النفوس، ويتردد في الصدور من حسرةٍ على فوات هذه الفرصة: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]! موقفٌ ﻻ تصنّع فيه، بل هو موقف صدقٍ وإيمان، سجّله عﻼّم الغيوب، المطلع على ما في الضمائر، وما تكنّه اﻷفئدة!
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر، حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» ... الحديث ([1]).
تأمل في هذا المشهد الذي يوضح لك اﻷلم والحزن الذي اعتصر قلبه، والذي ترجمه الفاروق رضي الله عنه بسبّ الكفّار الذين تسببوا في تأخير الصﻼة عن وقتها([2])، مع أن عمر لم يكن إﻻ في شغل شاغل، وجهدٌ وجهادٍ في معركة وصف عﻼّم الغيوب حال أهلها بقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [اﻷحزاب: 10]، فيا ترى، ما الذي يحدث لمن يؤخرون الصﻼة عن وقتها والشغل الشاغل لهم دون هذا بمراحل! هذا إن سلم من محذور شرعي!
ومشهد آخر له صلة بالتحسر على فوات الطاعة، في ترجمة سعيد بن عبدالعزيز إمام أهل الشام في زمانه ([3]) الذي كان إذا فاتته صﻼة الجماعة بكى.
ومن المتألمين المعاصرين، من ظلّ يبكي من الفجر حتى المغرب ﻷن صﻼة الفجر جماعةً فاتته.*
ويأخذ اﻷلم والتحسر صورةً أخرى، فثمة ألمٌ شريف الغاية، حسنُ العاقبة، وهو التألم على الوقوع في المعصية، والتحسر على ارتكاب الذنب، وفي قصة الغامدية رضي الله عنها نموذج ناصع على ذلك!
إنك لتعجب من استمرار جذوة اﻷلم في قلب الغامدية مدةً تقارب ثﻼث سنواتٍ وهي مدة الحمل والفطام وهي تعلم أن عاقبة هذا اﻻعتراف الموتُ رجماً!*
جاءت هذه المرأة التائبة النادمة، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى! قال: «إمّا ﻻ، فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ... الحديث([4]).*
وثمة أسئلة تتبادر هنا: على ماذا نبكي نحن؟ وما الذي يوجب هذه الحال؟ ولماذا ﻻ نجد هذه الحال اﻹيمانية إﻻ من رحم الله ونحن الذين نخطئ كثيراً؟
لعل اﻷسباب التالية تكشف عن الجواب:
1.*ضعف العلم بالله: وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وإن من أعظم اﻷبواب التي تعرّفنا بربنا أكثر: التدبر في كتابه، والتأمل في معاني أسمائه وصفاته، والنظر في ملكوته الكوني، يوضح هذا السبب الثاني، وهو وثيق الصلة بهذا السبب:
2.*ضعف التدبر للقرآن، فإن تدبره كفيل بملء القلب من خشية الله، واﻻطﻼع على أسرار وأسرار من معاني كﻼم الله، وحقائق أسمائه وصفاته، ودﻻئل العبودية، التي تقود القلب إلى اﻻنكسار، فما الذي يتوقعه المؤمن من تدبر أمثال هذه اﻵيات؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61]، {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } [المعارج: 27، 28]، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26].
3.*اﻹصرار على الذنب، وعدم اﻻقﻼع عنه، حتى تتراكم عليه أوضار السيئات، وتبعات المعاصي، وفي الصحيح: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فﻼ تضره فتنة ما دامت السماوات واﻷرض، واﻵخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا ﻻ يعرف معروفا، وﻻ ينكر منكرا، إﻻ ما أشرب من هواه»([5]).
4.*ضعف المحاسبة: فإن المحاسبة دليل على حياة القلب، وقائدةٌ لتمحيصه مما علق به من أوضار الذنب، وبقايا المعصية، فكم من دمعة سالت من قلبٍ نادم غسلت ذنوباً كثيرة! فعاد القلب مصقوﻻً كأنما خلق اليوم! يقول أبو داود الحفري: دخلتُ على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي مغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة، وما هو إﻻ من ذنب أحدثته([6]).
5.*الغفلة عن استحضار أثر الصﻼة، التي قال الله فيها: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فلو صحّت لنا صﻼتنا على الوجه الذي يريده الله، لبكينا على ما يفوتنا من ([4])مسلم ح(1695).
([5]) مسلم (231).
([6]) حلية اﻷولياء وطبقات اﻷصفياء (5 / 79).
والمعنى الجامع لهذا اﻷلم مردّه إلى الحسرة على فوات طاعة، أو اﻷلم على وقوع ذنب!
يصور لنا القرآن مشهداً من مشاهد اﻷلم الذي يعتصر القلوب على فوات طاعةٍ هم فيها معذورون، إنهم الذين جاءوا في ساعة العُسرة، راغبين في أن يحملهم النبي صلى الله عليه وسلم على أي راحلة أو أي دابة! لكن الحال لم تكن لتسعف بشيء من ذلك .. هنا يأتي دور الدموع؛ لتعبر عما يختلج في النفوس، ويتردد في الصدور من حسرةٍ على فوات هذه الفرصة: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92]! موقفٌ ﻻ تصنّع فيه، بل هو موقف صدقٍ وإيمان، سجّله عﻼّم الغيوب، المطلع على ما في الضمائر، وما تكنّه اﻷفئدة!
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر، حتى كادت الشمس تغرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله ما صليتها» ... الحديث ([1]).
تأمل في هذا المشهد الذي يوضح لك اﻷلم والحزن الذي اعتصر قلبه، والذي ترجمه الفاروق رضي الله عنه بسبّ الكفّار الذين تسببوا في تأخير الصﻼة عن وقتها([2])، مع أن عمر لم يكن إﻻ في شغل شاغل، وجهدٌ وجهادٍ في معركة وصف عﻼّم الغيوب حال أهلها بقوله: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [اﻷحزاب: 10]، فيا ترى، ما الذي يحدث لمن يؤخرون الصﻼة عن وقتها والشغل الشاغل لهم دون هذا بمراحل! هذا إن سلم من محذور شرعي!
ومشهد آخر له صلة بالتحسر على فوات الطاعة، في ترجمة سعيد بن عبدالعزيز إمام أهل الشام في زمانه ([3]) الذي كان إذا فاتته صﻼة الجماعة بكى.
ومن المتألمين المعاصرين، من ظلّ يبكي من الفجر حتى المغرب ﻷن صﻼة الفجر جماعةً فاتته.*
ويأخذ اﻷلم والتحسر صورةً أخرى، فثمة ألمٌ شريف الغاية، حسنُ العاقبة، وهو التألم على الوقوع في المعصية، والتحسر على ارتكاب الذنب، وفي قصة الغامدية رضي الله عنها نموذج ناصع على ذلك!
إنك لتعجب من استمرار جذوة اﻷلم في قلب الغامدية مدةً تقارب ثﻼث سنواتٍ وهي مدة الحمل والفطام وهي تعلم أن عاقبة هذا اﻻعتراف الموتُ رجماً!*
جاءت هذه المرأة التائبة النادمة، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً، فوالله إني لحبلى! قال: «إمّا ﻻ، فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه»، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ... الحديث([4]).*
وثمة أسئلة تتبادر هنا: على ماذا نبكي نحن؟ وما الذي يوجب هذه الحال؟ ولماذا ﻻ نجد هذه الحال اﻹيمانية إﻻ من رحم الله ونحن الذين نخطئ كثيراً؟
لعل اﻷسباب التالية تكشف عن الجواب:
1.*ضعف العلم بالله: وقد قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وإن من أعظم اﻷبواب التي تعرّفنا بربنا أكثر: التدبر في كتابه، والتأمل في معاني أسمائه وصفاته، والنظر في ملكوته الكوني، يوضح هذا السبب الثاني، وهو وثيق الصلة بهذا السبب:
2.*ضعف التدبر للقرآن، فإن تدبره كفيل بملء القلب من خشية الله، واﻻطﻼع على أسرار وأسرار من معاني كﻼم الله، وحقائق أسمائه وصفاته، ودﻻئل العبودية، التي تقود القلب إلى اﻻنكسار، فما الذي يتوقعه المؤمن من تدبر أمثال هذه اﻵيات؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 60، 61]، {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } [المعارج: 27، 28]، {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26].
3.*اﻹصرار على الذنب، وعدم اﻻقﻼع عنه، حتى تتراكم عليه أوضار السيئات، وتبعات المعاصي، وفي الصحيح: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فﻼ تضره فتنة ما دامت السماوات واﻷرض، واﻵخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا ﻻ يعرف معروفا، وﻻ ينكر منكرا، إﻻ ما أشرب من هواه»([5]).
4.*ضعف المحاسبة: فإن المحاسبة دليل على حياة القلب، وقائدةٌ لتمحيصه مما علق به من أوضار الذنب، وبقايا المعصية، فكم من دمعة سالت من قلبٍ نادم غسلت ذنوباً كثيرة! فعاد القلب مصقوﻻً كأنما خلق اليوم! يقول أبو داود الحفري: دخلتُ على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي مغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت حزبي أن أقرأه البارحة، وما هو إﻻ من ذنب أحدثته([6]).
5.*الغفلة عن استحضار أثر الصﻼة، التي قال الله فيها: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، فلو صحّت لنا صﻼتنا على الوجه الذي يريده الله، لبكينا على ما يفوتنا من ([4])مسلم ح(1695).
([5]) مسلم (231).
([6]) حلية اﻷولياء وطبقات اﻷصفياء (5 / 79).