تفسير ابن كثير
، ( والله غالب على أمره )
أي إذا أراد شيئا فلا يرد ولا يمانع ولا يخالف ،
بل هو الغالب لما سواه .
قال سعيد بن جبير في قوله :
( والله غالب على أمره )
أي : فعال لما يشاء .
وقوله :
( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )
يقول : لا يدرون حكمته في خلقه ،
وتلطفه لما يريد .
….
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
تفسير سورة النحل وهي مكية .
أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة
ودنوها معبرا بصيغة الماضي الدال على التحقق
والوقوع لا محالة
[ كما قال تعالى ] :
( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون )
[ الأنبياء : 1 ]
وقال تعالى :
( اقتربت الساعة وانشق القمر )
[ القمر : 1 ] .
وقوله :
( فلا تستعجلوه )
أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .
يحتمل أن يعود الضمير على الله ،
ويحتمل أن يعود على العذاب ، وكلاهما متلازم ،
كما قال تعالى :
( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين )
[ العنكبوت : 53 ، 54 ] .
وقد ذهب الضحاك في تفسير هذه الآية إلى قول عجيب ، فقال في قوله : ( أتى أمر الله ) أي : فرائضه وحدوده .
وقد رده ابن جرير فقال :
لا نعلم أحدا استعجل الفرائض والشرائع قبل وجودها بخلاف العذاب فإنهم استعجلوه قبل كونه ، استبعادا وتكذيبا .
قلت : كما قال تعالى :
( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد )
[ الشورى : 18 ] .
وقال ابن أبي حاتم :
ذكر عن يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن محمد بن عبد الله - مولى المغيرة بن شعبة - عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ،
عن عقبة بن عامر قال :
قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -
تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس ،
فما تزال ترتفع في السماء ،
ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس ،
فيقبل الناس بعضهم على بعض : هل سمعتم ؟
فمنهم من يقول : نعم ، ومنهم من يشك ،
ثم ينادي الثانية : يا أيها الناس ،
فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟
فيقولون : نعم ،
ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس ، أتى أمر الله فلا تستعجلوه .
قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -
: فوالذي نفسي بيده ، إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا ، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا ،
وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا - قال - ويشتغل الناس .
ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره ،
وعبادتهم معه ما سواه من الأوثان والأنداد ،
تعالى وتقدس علوا كبيرا ،
وهؤلاء هم المكذبون بالساعة ، فقال :
( سبحانه وتعالى عما يشركون ) .