• انت....زائر..... هل ذكرت الله اليوم...... هل صليت على نبي الله اليوم ابدا الان وسجل ما يسرك ان تلقى الله به
  • سبحانه الله وبحمده سبحان الله العظيم واستغفر الله
  • اللهم ان ظلمت من ضعفي فانصرني بقوتك
  • اللهم إني أسألُك من فضلِك و رحمتِك ؛ فإنَّه لا يملُكها إلا أنت
  • أحب ما تعبدني به عبدي النصح لي وفي رواية لكل مسلم رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي والحكيم وأبو نعيم
  • {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة
  • أربع خصال واحدة فيما بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي وواحدة لي وواحدة لك فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي ترضى لهم ما ترضى لنفسك رواه أبو نعيم عن أنس
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الحديث بتمعن.......................... إﻧﻤﺎ أﺗﻘﺒﻞ اﻟﺼﻼة ﻣﻤﻦ ﺗﻮاﺿﻊ ﺑﮭﺎ ﻟﻌﻈﻤﺘﻲ وﻟﻢ ﯾﺴﺘﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻲ وﻟﻢ ﯾﺒﺖ ﻣﺼﺮا ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺼﯿﺘﻲ وﻗﻄﻊ ﻧﮭﺎره ﻓﻲ ذﻛﺮي ورﺣ ﻢ اﻟﻤﺴﻜﯿﻦ واﺑﻦ اﻟﺴﺒﯿﻞ واﻷرﻣﻠﺔ ورﺣﻢ اﻟﻤﺼﺎب ذﻟﻚ ﻧﻮره ﻛﻨﻮر اﻟﺸﻤﺲ أﻛﻠﺆه ﺑﻌﺰﺗﻲ وأﺳﺘﺤﻔﻈﮫ ﺑﻤﻼﺋﻜﺘﻲ أﺟﻌﻞ ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻈﻠﻤﺔ ﻧﻮرا وﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎﻟﺔ ﺣﻠﻤﺎ وﻣﺜﻠﮫ ﻓﻲ ﺧﻠﻘﻲ ﻛﻤﺜﻞ اﻟﻔﺮدوس ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ رواه اﻟﺒﺰار ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس
  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)
  • قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
  • سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت : 53]
  • أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما خلق، و برأ و ذرأ، و من شر ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض و من شر ما يخرج منها، و من شر فتن الليل و النهار و من شر كل طارق، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان". رواه أحمد.
  • وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون
  • عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أوثمانيا، -يعني حججاً-. رواه الحاكم
  • عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. رواه أبو داود وابن ماجه
  • في رواية لأبي داود: لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا .
  • قال ﷺ : " اللهم فاطرَ السموات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، ربَّ كلِّ شيء ومليكَه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شرِّ نفْسي، وشرِّ الشيطان، وشِرْكَْه ، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرّه إلى مسلم "
  • من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته ثواب الشاكرين رواه ابن حذيفة عن شاهين عن أبي سعيد الخدري
  • وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحدا قال لا إله إلا الله رواه تمام عن أنس بن مالك
  • اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني ، إلى عدو يتجهمني ، أو إلى قريب ملكته أمري ، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) رواه الطبراني
  • اللهم اني مغلوب فانتصر
  • وانذر عشيرتك الأقربين ----------- اللهم فاشهد انني بلغت وحذرت
  • اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا الدعاء ... اللهم انك اقدرت بعض خلقك على السحر والشر ولكنك احتفظت لذاتك باذن الضر اللهم اعوذ بما احتفظت به مما اقدرت عليه شرار خلقك بحق قولك وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
  • اللهم انت خلقتني وانت تهديني وانت تطعمني وانت تسقيني وانت تميتني وانت تحييني ***** لا اله الا الله******
  • إلهي عبد من عبادك ، غريب في بلادك ، لو علمت أن عذابي يزيد في ملكك ، وعفوك عني ينقص من ملكك لما سألتك المغفرة ، وليس لي ملجأ ولا رجاء إلا أنت ، وقد سمعت فيما أنزلت أنك قلت : إني أنا الغفور الرحيم ، فلا تخيب رجائي.
  • يا ........ زائر .........................هلا تقرا القران.......................... ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد.................. ............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد .............................. ﷽ قل هو ﷲ أحد۝ﷲ الصمد۝لم يلد ولم يولد۝ولم يكن له كفوا أحد

محمد 68

عضو
إنضم
30 يناير 2014
المشاركات
153
مستوى التفاعل
237
النقاط
47
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا موضوع جميل يعرف برسالة الإسلام
محمد عليه السلام رسول الخير للإنسانية

أحياناً تعزب العقول ويستحكم الهوى والجهل ، وتغيب الموضوعية ، وتعمى القلوب والأبصار ويخرج علينا من حين لآخر من يقلل من شأن محمد r ، أو ينسبه لبعض النقائص وهو مبرأ منها ، أو يغمط الخير الذي جاء به أو الخدمة الإنسانية التي قدمها للبشرية ، وأحياناً يبلغ الظلم مداه عندما يزعم البعض أن محمداً لم يأت بخير للبشرية ، بل هو الذي عزز العنف والقسوة وشرعه في المجتمع الإسلامي ، ثم نجد هؤلاء يأتون بشبهات لا رصيد لها من الواقع ، وأحياناً ينسبون بعض التصرفات الخاطئة من بعض المسلمين لصاحب الرسالة نفسه ، ثم يخلصون بنتيجة أن محمداً هو الذي زرع بذورها .

وهذه المزاعم لا تحتاج منا رداً متشنجاً ، لأن كل لحظة من حياة محمد r تعتبر دليلاً من دلائل كمال الخير الذي جاء به ، أما أصحاب هذه المزاعم فهم أمام ثلاث :

- إما أن يبرهنوا عليها ولو بموقف واحد من حياة محمد r الدعوية على مدار الثلاثة وعشرين سنة ولن يجدوا إلا شبهات لن تستقيم وتهم شبيهة بمزاعم أبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم من سدنة الجاهلية الأولى .

- وإما أن يكفوا عن إيذاء الإنسانية كلها بالطعن في أشرف مظهر لها لأن الطعن بمحمد r ليس فيه إيذاء للمسلمين فقط ، بل هو طعن في إنسانية الإنسان بتشويه أجمل صورة في تاريخه .

- وإما أن يدخلوا حلبة المراغمة والجدال بالتي هي أحسن من خلال دحض مسلمة يؤمن بها كل مسلم في الأرض والإجابة على سؤال واحد يرشد إليها وهو : ما هو الخير الذي لم يأتِ به محمد r ؟ و أي فضيلة لم يدعُ لها ؟

طبعاً : لن تكون إجابة كل باحث متحري موضوعي - سواء كان مسلماً أو غير مسلم - إلا القول أن محمداً لم يترك شيئاً من الخير إلا دعا له ، ولم يترك شيئاً من الشر إلا نها عنه .

وفي هذا البحث أذكر على سبيل الإجمال بعض جوانب الخير التي جاء بها محمد r للإنسانية جمعاء ، وذكرها يرشد لغيرها من جوانب الخير بإذن الله سبحانه وتعالى .

أولاً : محمد r نبي الرحمة العالمية .

وهذا العنوان الذي استهللت به فقراتي لست بحاجة للتدليل عليه ، فكل سطر في هذا الكتاب ليرشد إليه صراحة ، يكفي القول هنا أن الذي يرحم طيراً ويرد له فرخيه ، أو يغضب لحشرة تقتل دون داعي ، ويعاتب من يجيع جمله أو يرهق حماره لهو أولى بأن يرحم الإنسان .. بل كل الإنسانية .

ثانياً : محمد r داعية الأخلاق و معزز الفضيلة .

كان محمد r بأخلاقه السامية قدوة لكل من حوله للارتقاء في سلم الفضائل إلى أعلاه ، ولم يقتصر على ذلك ، بل كان حريصاً من خلال هديه على تعزيز التنافس في الفضيلة واجتناب الرذيلة ، فيقول : « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ . » ([1]) « مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ . » ([2]) « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ » ([3])

ونراه يقرن بين العقيدة والأخلاق على أساس أنهما صنوان لا يفترقان : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . » ([4])

بل نرى النبي r لا يرى للعبادة قيمة ما لم يتوج صاحبها بخلق حسن : « قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ . » ([5])

و نراه يعتبر المقصد الأسمى لرسالته هو نشر الفضيلة وتتميم مكارم الأخلاق : « إنما بعثت لأتمم - في رواية : صالح - مكارم الأخلاق » ([6])

ومن الأخلاق الذي دعا إليها واجتهد على تعزيزها بين المسلمين : بر الوالدين ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والأمانة والصدق والكرم والإيثار والعدل والاعتدال ، والإخلاص والتواضع ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، و التجاوز عن هفوات الآخرين ، والرضا بالقليل ، والقناعة بما قسم الله ، وكظم الغيظ ، والعفو ، وإحسان الظن ، ومقابلة الغير بالبشاشة ، والرحمة بخلق الله ، والإصلاح بين العباد ، والوفاء بالعهد ، وإنجاز الوعد ، وتحرير النفس من ربقة الشهوات ومراقبتها في الله ، واللين في القول ، والرفق في المعاملة ، ونصرة المظلوم وإجابة الدعوة وإغاثة الملهوف ...

ومن الأخلاق الذميمة التي نهى عنها : الفسق والعصيان والفحش في القول والعمل ، وغلظة القلب ، والبخل والشح ، والكبر والحقد والحسد والرياء ، والسخط والغضب ، والفظاظة والوقاحة وقلة الحياء ، والكسل والبطالة ، والعناد والمكابرة في الحق ، والنميمة والسخرية والغيبة والاستهزاء بالغير أو استصغارهم ، واللعن واللمز والتعيير ، والطيش والخفة ، والطيرة والتشاؤم والشماتة والتهور ، والكذب وشهادة الزور وإفشاء السر ن والتشاحن والبغضاء أو الاستطالة على الأعراض ، والمن بالصدقة أو كفران النعمة ، و الخيانة والمكر والخديعة ، وبخس الكيل والغصب والرشوة ... إلخ

ومن تتبع هدي النبي r يجد أنه قد أشبع التفصيل والاستقصاء في الأمر بالفضيلة وإن صغرت أو النهي عن الرذيلة وإن قل خطرها .

وتتميز الأخلاق في رسالة محمد r بأنها مزجت بالإيمان وتعلقت به ، فلا إيمان بدون أخلاق ، ولا عبودية بدون فضيلة ، وهذا أكسب الأخلاق إلزاماً تطبيقياً عند أتباع الرسالة ، بل كانوا يتنافسون في الارتقاء في السلم الأخلاقي .

ثالثاً : محمد r رسول المحبة .

حرص النبي r على تعزيز عاطفة الحب وتهذيبها لتقوم بدورها الأصيل التي خلقت لأجله ، و استطاع عبر رحلته الرسالية أن يؤلف بين القلوب المتنافرة ، ويجمع العرب مع ما تميزوا به من فرقة وشحناء عززتها العصبية القبلية ، ويصهرهم على قلب رجل واحد ، وقد تنوعت التشريعات الدالة على ذلك منها :

1- تعزيز المحبة : وذلك باعتبارها فضيلة لا تدانيها فضيلة ، بل هي جزء من الإيمان الذي لا يمكن تذوق حلاوته إلا من خلالها يقول r : « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ . » ([7])

2- التأكيد على الأخوة والأعمال الداعية للمحبة : يقول r « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . « تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ » ([8]) « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » ([9]) عن أنس t : « مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ r وَعِنْدَ النَّبِيَّ r رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ : أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فيه . » ([10])

فالنصوص السابقة تبرز جانباً من الهدي النبوي الكفيل بتمتين العلاقات وتعزيز المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي .

3- محاربة كل فعل أو خلق ينقص المحبة والترابط بين أفراد المجتمع : يقول الرسول r « لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » ([11])

4- التحذير من كيد الشيطان الموهن للمحبة بين الناس يقول r : « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ . » ([12])

5- بيان خطورة البغضاء و عواقبها على الفرد والمجتمع يقول r : « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ . » ([13]) « تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا . » ([14])

6- تهذيب عاطفة الحب وتوجيهها الوجهة السليمة ، وتركيزها نحو الأهداف السامية ، حيث عزز حب الفضيلة عند أصحابه ، وحب الخير والحرص على نشره ، وبالمقابل حرص النبي r على عدم غلو عاطفة الحب في جانب على حساب آخر ، فلئن أكد على حب الوطن والأهل وغيرها من المحبوبات إلا أنه حرص على عدم طغيان هذه المحبوبات على فكر الناس بحيث تكون مدعاة لحصول الشحناء ، فحب القبيلة ليس داعية للإذعان لها في الحق والباطل ، وحب الأهل ليس مدعاة للطغيان وظلم الآخرين ، وتحصيل مصالح الأهل لا يكون على حساب تغييب مصالح الغير ، وميل الرجل للمرأة ليس مدعاة للوقوع في الفاحشة أو المنكر ، بل يضبط بضوابط الشرع وفق ما أحله الله سبحانه وتعالى .

7- تركيز عواطف الناس ودواعي المحبة لديهم نحو الغايات العليا لتجتمع القلوب وتتوحد عواطف المحبة ، ومن هذا الوجه أكد النبي r على ضرورة محبة الرسالة والرسول والمرسل : « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . » ([15]) « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا » ([16]) ، واستطاع النبي r بالفعل أن يوجه العواطف المتضاربة والمتفرعة والموزعة لدى المجتمع نحو عاطفة الحب ، وتركيزها في الغايات العليا ، وتهييجها نحو الفضيلة ، وقد سطر المجتمع آيات في الحب والتفاني نحو الرسالة والرسول والمرسل تعتبر الأولى من نوعها على مستوى البشرية من حيث نوعيتها وعدد القائمين بها ، بل بعض حكايات الصحابة في حب الغايات السامية والتفاني لأجلها فاقت التصور ، فالبعض يجيع صغاره ليطعم ضيفه ، والمرأة الدينارية ترى أن وفاة زوجها وولدها وأبيها هيناً ما دام صاحب الرسالة قد نجا من الموت ، وعبدالله بن حذافة السهمي يجيب ملك الروم الذي ساومه على ترك دينه ويتنصر مقابل إشراكه في ملكه ، فيقول له : والله لو أعطيتني ملكك وملك العرب جميعاً ما تركت دين محمد r طرفة عين . و هكذا تحول المجتمع بفضل جهد النبي r إلى شعلة متآلفة من الحب والعطاء ، حتى أصبح المرء في المجتمع المسلم يحب الخير في يد أخيه أكثر مما يحبه في يده .

6- اغتنام دعوته المستجابة واستثمارها في تعزيز المحبة ، ومن ذلك أن أبا هريرة t جاء النبي r بعد إسلام أمه فقال له : « يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ - إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي » ([17])

رابعاً : محمد r معزز الأمن المجتمعي وناشر السلام في الأرض .

بعث النبي r في مرحلة تعتبر الأكثر زعزعة على مدار التاريخ ، حرم فيها الناس خاصة في جزيرة العرب من نعمة الأمن ، و لم ينعم بها على وجه الخصوص إلا أهل مكة بحكم مجاورتهم للبيت الحرام ، أما باقي الجزيرة العربية فقد ساد فيها ثقافة السلب والنهب والاقتتال لأتفه الأسباب حتى أفنت الحروب المتوالية أكثر رجالهم ، وكانت قبائل بأكملها تمتهن مهنة السلب والنهب وقطع الطريق كبعض قبائل طيء وغيرها ، أضيف إلى ذلك انتشار جرائم القتل المتنوعة في داخل المجتمع ، بل الفاقة والفقر كانا كفيلين بحرمان كثير من الأطفال من حياتهم في بدايتها وعلى يد أقرب الناس إليهم ، ولم يسلم المجتمع في ليله من كثير من حالات الاغتيال والغدر ، وكان لغياب الأمن أثره على العربي الذي لم يكن ينام الليل ؛ حيث يبقى على أعلى درجات الاستنفار ، ويجد نفسه دائماً بين خيارين : إما يجهز نفسه للإغارة على الغير وسلبهم ، وإما يتحين وقوع الغارة عليه من الغير .

في ظل هذا الواقع المرير بدأ النبي r رسالته ، وجعل من أسمى الغايات التي يبشر بها ويحرص على تحقيقها : توفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ؛ لذا بدأ رسالته بوعود متكررة تدل على أن هذه الغاية ستتحقق في المجتمع بأكمل وجه ، وتصدر منه هذه الوعود وهو لا يستطيع أن يحقق لنفسه ولا لأقرب الناس إليه الأمن من غيلة قريش وغدراتهم ، يأتيه خباب t وهو متوسد بردة في حجر الكعبة مع غيره من المعذبين يشكون له ما أصابهم قائلين له : « أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ! أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ! فقَالَ لهم النبي r : كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » ([18])

هذه الكلمات خرجت من فم النبي r في أحرج الظروف من الناحية الأمنية ، وقد تضمنت وعداً وبشارة بتحقيق الأمن للمجتمع بأسره حتى أقصى جنوب الجزيرة ، ويقطع الراكب مسافات شاسعة آمناً لا يخاف على نفسه ولا على غنمه إلا من قدر السماء وعوادي الوحوش،أما من جهة أخيه الإنسان فسيبلغ الأمن من جهته مداه .

وكان وعد النبي r وبشارته بتحقيق الأمن المجتمعي والاقتصادي أمراً لا تتصوره العقول خاصة في ظل الواقع المعقد الذي وصل إليه العرب ، وتلك الثقافة المميتة التي تشربتها عقولهم ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ t قَالَ : « بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ r إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ : يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟ قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ : فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّه . َ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ ؟

وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى . قُلْتُ . كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ !! قَالَ : كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ .

وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ...

قَالَ عَدِيٌّ :فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ r يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ . » ([19])

هذه وعود صدرت من النبي r في لحظة كان يتصور سامعه استحالة وقوعها أو بعده ، وعندما أشار النبي r إلى أن المرأة ستخرج لوحدها آمنة مطمئنة من ناحية العراق تجوب كبد الجزيرة العربية إلى أن تصل الحجاز ، تعجب عدي t ، وقال في نفسه مستبعداً مرحلة حصول هذه البشارة لما يرى من الصعوبات والعقبات التي تحول دون وقوعها لعل أهمها تلك القبائل التي تشتهر بالسلب وقطع الطريق بحيث تخافها القوافل المسلحة فكيف بامرأة مجردة عن كل وسائل الدفاع ؛ لذا قال في نفسه : فأين صعاليك طيء أو قطاع الطرق فيها الذين دمروا البلاد نهباً وسلباً ، ماذا سيكون حالهم في تلك المرحلة ؟ وعندما وعد بالنصر على كسرى زاد عجبه ، وعندما وعد النبي r بتحقيق الأمن الاقتصادي ؛ بحيث يشمل كل فرد في المجتمع ، بل يزيد المال عن حاجتهم زاد الأمر غرابة في نفسه ... وما هي إلا سنوات قلائل حتى عاين عدي بنفسه أن الأمن المجتمعي قد بلغ مداه كما قال النبي r وكان أحد الفاتحين لكنوز كسرى ، أما بلوغ الأمن الاقتصادي مداه فهذا حصل مع انخرام القرن الأول في عهد عمر بن عبد العزيز الذي كان يطوف بالصدقة فلا يجد من يقبلها .

فهذا التغير السريع وغير المتصور على مستوى الأمن والرخاء ليشير صراحة إلى عظمة الجهد الذي قام به النبي r وتلك الحكمة المتناهية التي رزقها ؛ بحث قام بما عجزت عن جزء منه منظمات دولية بكل إمكانياتها الضخمة ، ومن ينظر إلى عظمة الإنجاز الذي قام به محمد r يقف مدهوشاً أمامها ، هل يستطيع بشر أن يحقق ما حققه محمد r ، والحقيقة في هذا الشأن أن بشراً عادياً مهما بلغ من كماله وعظمته لا بمكن أن يقوم بمثل هذا العمل الضخم ، لكن رجل كمحمد اصطنعته العناية الإلهية ليكون أسمى مظهر من مظاهر الرحمة الربانية ، وأكمل مثال بشري وطأ الأرض ، فيمكن تصور ذلك منه .

كذلك هذه النتيجة المذهلة على مستوى الأمن والرخاء لتدل صراحة على أن تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي كان جزء من غاياته السامية التي يحرص عليها ؛ لذا عندما نصفه بأنه رسول الأمن والسلام في الأرض لا نجانب الصواب بل هو الأولى بهذا اللقب على مستوى البشرية كلها ، وما زالت تعاليمه هي الأقوى والأنجع في تحقيق الأمن والسلم العالميين .

خامساً : محمد r داعية الحقوق الإنسانية والمدافع الأول عنها :

الناظر لرسالة محمد r يجد أنها بمجموعها تعتبر منظومة حقوقية متكاملة ردت للإنسان إنسانيته ، وسارت به نحو رفاهية الحياة ورغيدها ، وجنبته بتشريعاتها المتنوعة تسلط أخيه الإنسان ، حتى يمكن بحق القول أن محمداً r هو المقرر الأول للحقوق في الأرض والمدافع الأول عنها ، وهذه ليست دعوى عرية عن الإثبات ، بل الواقع قبل النصوص يدلان عليها ، و هذا تفصيل يبرز أهم الحقوق التي أثبتتها شريعة محمد r .

حق الحياة : لم ينل حق الحياة عناية أكثر مما ناله في شريعة محمد r ؛ حيث تنوعت الأساليب الوقائية والعلاجية الكفيلة بحفظ الأرواح ، بل إعطائها قدسية تحول دون الاقتراب منها لا سفكها ، وهذا أمر قد بينته في باب العقوبات بما يغني عن إعادته هنا ، يكفي القول أن أي مقارنة إحصائية بين مجتمع يحتكم للشريعة الإسلامية ، وأي مجتمع غربي بخصوص نسبة جرائم القتل والعقوبات المترتبة عليها ، نجد أن البون شاسعاً بينهما لصالح الرسالة المحمدية والتشريعات الربانية التي جاء بها.

حق المساواة : جاء النبي r لتقرير هذا الحق على أكمل وجه باعتبار أن الأصل الإنساني واحد ، ولا مزية لجنس أو لون على غيره ، وهذا التساوي في أصل الخلقة يقتضي التساوي في الحقوق والواجبات دون تفريق ، قال الله سبحانه وتعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » ([20]) ويقول الرسول r : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى . » ([21]) « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ . » ([22]) وقد جاءت أحاديث كثيرة تشير إلى الأخوة الإنسانية ، وتقتضي عدم تمايز أحد على غيره أو افتخاره بعرق أو جنس : « إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » ([23]) ، وقد كان النبي r يحارب النعرات القومية التي يفخر بها الإنسان على أخيه الإنسان ويتعالى عليه واعتبر ذلك من مخلفات الجاهلية ، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : « كُنَّا فِي غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ » ثم قال عن تلك الدعوة : « دعوها فإنها منتنة . » ([24]) وعندما عير أبو ذر غلاماً له بأمه بقوله : يا ابن الأعجمية قال له رسول الله r : « إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ » ثم بين له أن ظاهرة الرق لا تهيض من إنسانية الإنسان أو تبيح التعالي عليه أو استغلاله فقال : « إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ . » ([25]) ولتقرير حق المساواة بين الرجل والمرأة بين النبي r أن النساء شقائق الرجال ، وبهذه العبارة ألغى النبي r الفوارق بينهما ، فالشقيق هو المساوي لشقيقه من جميع الوجوه .

ويطرح البعض في حق المساواة شبهات متعددة منها ما يتعلق بالمرأة أو ظاهرة الرق ، وهذه الشبهات سبق التفصيل فيها والرد على أصحابها ([26]) ، ومن الشبهات التي تثار في هذا الحق قول البعض أن الإسلام وإن لم يعتبر الجنس والعرق واللون مدعاة للتمييز ، فقد اعتبر الدين مدعاة لذلك ، فأثبت لأهل الإسلام حقوقاً لم يثبتها لغيرهم ، نقول إن تمييز الإسلام بين أهله وغيرهم على أساس الدين لم يترتب عليه تغييب أي حق لغيره بحكم المساواة الإنسانية ، إنما التمييز بالحقوق مبني على طبيعة الواجبات ، فإن أوجب الإسلام على غير المسلم الجزية ، فقد أوجب على المسلم الزكاة ، ومن تتبع التاريخ الإسلامي يجد أن الملل الأخرى لم تجد من المسلمين إلا كل تسامح مبني على احترام إنسانيتهم ، يقول المستشرق بارتولد : « إن النصارى كانوا أحسن حالاً تحت حكم المسلمين إذ إن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل . » ([27]) ويقول المستشرق المشهور ديورانت : « لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام . » ([28])

حق العدل : أما العدل بجميع ضروبه سواء حق الإنسان في محاكمة عادلة ، أو حقه في معاملة عادلة ، أو غير ذلك فقد أثبتتها شريعة محمد r بأكمل وجه ، وتميزت عن غيرها بأن إقامة العدل ليس حقاً إنسانياً ، بل مبدأً أساسياً في رسالة الإسلام استمد قدسيته من قدسية الرسالة ، وتنوعت التشريعات الدالة على ضرورة إقامته في المجتمع ، والعدل يأتي في الدرجة بعد معلم التوحيد ، بل هو لازم من لوازمه ، وتحقيق العدل في الأرض هو هدف أساس من أهداف الرسل جميعاً ، يقول الله سبحانه وتعالى : } لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ { ([29]) فالآية صريحة الدلالة بأنه ما من كتاب أنزل ولا رسول أرسل إلا لإقامة العدل في الأرض ، وتفريغ أي رسالة فضلاً عن الرسالة العظمى التي أكرم بها محمد r من العدل هو تغييب لهدف رسالي أصيل ؛ لذا وجدنا أن أجمع آية في القرآن الكريم قد ذكرت هذا المعلم بوضوح ، يقول الله سبحانه وتعالى : } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ([30]) فهذه الآية أمرت بكل خير ونهت عن كل شر ، ولعل أهم جانب من جوانب الخير الذي حضت عليه هو إقامة العدل في الأرض .

ومن تتبع سيرة المصطفى r يجد أن الأمر بالعدل وإقامته كان من أهم سلوكياته وهديه حتى ارتقى بالصحابة الكرام من درجة العدل إلى درجة الإحسان كما بينت سابقاً ، وإقامة العدل في رسالة الإسلام مبدأ في كل الظروف و لا يتأثر بالعواطف ، يقول الله سبحانه وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى { ([31]) } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ { ([32]) فتحقيق العدل واجب ولو كان فيه مراغمة لعواطف العداوة والبغضاء وعواطف المحبة للنفس أو الأهل فلا العداوة تنقصه ولا المحبة تغيبه ، بل يكون إقامة العدل لله وحده بعيداً عن العواطف .

ويشهد التاريخ أن كثيراً من الصحابة – وبعضهم كانوا خلفاء أو أمراء - كانوا يقفون أمام القضاء مع خصومهم من اليهود أو النصارى ، وكان القضاة يحكمون في كثير من هذه الخصومات لصالح خصومهم ، مما يشير على طبيعة التربية التي تلقوها لإقرار العدل في الأرض دون اعتبار لجنس أو منزلة أو حسب أو دين .

حق الحرية :

كانت الصرخة الأولى التي جهر بها النبي r بالتوحيد في جنبات مكة بمثابة الإعلان عن تحرير للإنسان من أوهام الجاهلية وخرافاتها ، وتحرير له من استبداد أخيه الإنسان أو استعباده له ، وتحرير للعقل من أصار الهوى وأغلال التقليد ، وتحرير للنفس من ربقة الشهوات ، وتحرير للروح من سيطرة الغريزة وهيمنة الدنيا ، وتحرير للعباد من عبادة العباد سواء كانوا ملوكاً و أسياداً أو أحباراً ورهباناً ، فالتوحيد في شكله ومضمونه رسالة حرية وتحرير ، وقد عبر ربعي بن عامر t عن ذلك عندما سأله رستم عن سبب مجيئهم وإقدامهم على غزو الفرس ، فقال : « الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . » ([33]) بهذه العبارات بين ربعي t أهم مقاصد رسالة محمد r ، وهو تحرير الإنسان من مظاهر العبودية لأخيه الإنسان ، وهذا هو جوهر الحرية ، فالإسلام لا ينظر للإنسان على أنه يملك سلطة تخوله استعباد أخيه ، ولقد صرح المغيرة بن شعبة لرستم بذلك عندما قال : « كانت تبلغنا عنكم الأحلام ، ولا أرى قوما أسفه منكم ، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه فظننت أنكم كذلك مع قومكم ، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض . » ([34]) فالمغيرة يستنكر ويهوله ما يراه من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان ، ويراه لا يليق بكرامة الإنسان ، بل هو ضرب من السفه والاستخفاف بالبشرية ، ثم بين أن العرب لا يستعبد بعضها بعض ، بل لكل إنسان كرامته وحريته ، وليس للحاكم سلطة تخوله قسر إرادة المحكوم أو سلبها .

فهذه المواقف تشير إل أن تحقيق الحرية وتحرير العباد كانا هدفاً سامياً من أهداف رسالة محمد r ، بل رسالته كلها كانت ثورة على الظلم والاستعباد ، رسالة جعلت بلالاً t الذي كان قبل الإسلام عبداً من الدرجة الرابعة ممن لا يحق له أن يدخل على سيده لخدمته ، بل يبقى عند الخيل ليسوسها فقط ، فهذا الرجل بعد الإسلام نال أعلى درجات الكرامة حتى أصبح مؤذن رسول الله r وخازنه ؛ أي من يتوكل بجمع الأموال وتصريفها ، أو بعبارة أخرى كان بمثابة وزير مالية في الدولة المحمدية ، وبلغ من الكرامة ، أن قاهر الفرس والروم والخليفة الثاني لرسول الله عمر t يقول عنه : سيدنا بلال ، وأعتقه سيدنا أبي بكر ، بل كثير من العبيد نالوا الدرجات العليا في السلم الاجتماعي للدولة المحمدية كعمار بن ياسر t وغيره .

ولعل أبرز الحريات التي جاءت رسالة محمد r لتقريرها : الحرية الدينية المبنية على مبدأ لا إكراه في الدين ، والحرية السياسية التي تكفل للجميع إبداء آرائهم السياسية ، وصلح الحديبية خير شاهد على ذلك ، وحرية الفكر ؛ حيث أطلقت رسالة محمد r العنان للعقل في التأمل والبحث دون قيود عليه باعتبار أن العقل والدين صنوان لا يفترقان ولا يتعارضان في الإرشاد للحقيقة أو الوصول إليها ، ومن تتبع آيات القرآن الكريم يجد كثيراً من الآيات التي تذم التقليد ، وتحارب انغلاق العقول أو أسرها ، وتدعو لتحرير العقل والفكر ، وتعزز التأمل والبحث ، ونلحظ أن حرية العقل والفكر في الشريعة قد سيجت بضابط هام ، وهو أن للعقل الخوض والبحث في كل ما يدخل ضمن حدوده ، أما خارج حدوده مما لا يستطيع العقل الخوض فيه لقصوره أو قصور الحواس التي تمده بالمعارف ففي هذه الحالة يسند العقل المهمة للوحي ، أو يسلم العقل القاصر في معارفه للعقل الكلي المحيط بأسرار الكون وحقائق الموجودات .

أما حرية الرأى فقد كفلها الإسلام ، وتعهدها النبي r في كل خطوة من خطواته ؛ حيث كان يشاور أصحابه في أكثر شأنه العام ، ويقبل بمراجعاتهم ، يأخذ برأيهم إن رأى صوابه ، بل لاحظنا في غزوة أحد أن النبي r قد أخذ برأي الأكثرية مع اختلافه معهم بالرأي ، وكل ذلك رعاية لحرية الرأي وتعزيز لها في المجتمع .

أما تقرير حرية المرأة أو العبيد فقد راعاها النبي r بأكمل الوجوه ؛ حيث رد للمرأة كرامتها وإنسانيتها وساوى بينها وبين الرجل في كل الحقوق حتى في المرجعة السياسية ، وموقف أم سلمة في الحديبية خير شاهد على ذلك .

باقي الحقوق : أما الحقوق الأخرى كحق التكافل الاجتماعي ورعاية المسنين والفقراء والمحتاجين وتوفير فرص عمل ، وحق الإنسان في الانتماء لأسرة وغير ذلك ، فإن رسالة محمد r كانت الأوفى حظاً والأكمل تشريعاً في هذا الباب ، بل كل رسالة محمد r مبنية على التكافل ، و رسالته لم تقتصر على رعاية الأسرة الصغيرة والانتماء إليها ، بل بلغت في درجة الكمال أن حولت المجتمع كله كأسرة واحدة في العواطف والآمال والواجبات والحقوق والتعاطف والتواد ، بل حولت المجتمع كجسد واحد ، يقول الرسول r : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى . » ([35])

ميزة الحقوق الإنسانية التي جاء بها محمد r مقارنة مع القوانين الدولية :

لعل أهم ما تتميز به الحقوق في رسالة محمد r هو الشمولية والتوازن والانضباط والتكامل ، فالإسلام عندما راعى حقوق المرأة لم ينظر فقط لتلك المرأة الشابة التي تبحث عن بعض الحقوق ، بل رعاها طفلة ، وتعهدها شابة ، واعتنى بها كأم ، وعزز الاهتمام بها كمسنة ، ولم تقتصر حقوقها على الجانب المادي ، بل تعداه إلى الجانب النفسي ، وإن شئت فقارن بين امرأة مسنة ملقاة في دار عجزة ، لا يزورها أبناؤها الذين فروا منها عبر مسرح الحياة إلا في مناسبات محدودة ، وبين امرأة مسنة كفل لها التشريع القدسية كأم ، واعتبر العناية بها وتكريمها حال ضعفها من أعظم موجبات الرحمة ، وأكد على حقوقها لدرجة أن حرم التأفف في وجهها ، بل اعتبر برها والحنو عليها والاعتناء بتكريمها والصبر عليها سبباً في نيل رضوان الله ، وبالمقابل أي شكل من أشكال التقصير معها يعتبر من أعظم الأسباب الموجبة للعذاب .

فمقارنة بين هاتيـن الصورتين تبرز لنا مدى الشمولية التي اتسمت بها رسالة الإسلام في رعاية الحقوق .

أما التوازن بين الحقوق فهذا مما تتميز به رسالة الإسلام عن غيرها ، ونقصد بالتوازن بين الحقوق أن الإسلام إذا راعى حقاً من الحقوق فإنه لا يغلو به على حساب الحقوق الأخرى ، ولا يسمح له أن يتجاوز حده فينقلب إلى ضده ، وهذا الغلو واضح في القوانين الوضعية ، فهي عندما طالبت بحقوق الإنسان غيبت حق الله سبحانه وتعالى ، بل افتعلت تعارضاً بين حق الله والحق الإنساني ، وهذا غلو حرم البشرية من روحها وأقدس حقوقها ، أو بعبارة أخرى كان هذا غلواً للجسد على حساب الروح ، والمادة على حساب الفضيلة .

وعندما طالبت بحق الحرية لم تضبطه بأي ضابط ، وأطلقت له العنان حتى تحول إلى فوضى استفاد منها سخفاء البشرية وأراذلهم على حساب عقلائهم وسوادهم الأعظم ، وترتب على ذلك تغييب الفضيلة ونشر الرذيلة في المجتمع الإنساني ، وطغى هذا الحق على غيره من الحقوق كحق الانتماء لأسرة ، أو حق الحياة ؛ حيث عمت الجريمة بحجة حماية الحرية ، وطعنت إنسانية الإنسان وكرامته بحجة حماية حرية التعبير ، حتى أضحى تشويه أسمى المظاهر الإنسانية وأجمل صورها نوعاً من الحرية ، وبـات الطعن في الأنبياء والرسل حقاً إنسانياً وجب المحافظة عليه .

وعندما طالبت بحق المرأة طالبت بمساواتها مع الرجل من جميع الوجوه مع أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بينهما من الناحية الفطرية ، وترتب على هذه المساواة حرمان المرأة من أقدس حقوقها كحق الإرضاع والحضانة والتربية ، بل ألبستها ثوباً غريباً عليها حرمها من طبيعتها الأنثوية .

وعندما طالبت بالحريات الشخصية خرجت بالإنسان عن فطرته ، وأباحت له ما لا تستبيحه أرذل الحيوانات ، وذلك عندما أجازت بعض القوانين زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء بحجة أن ذلك يدخل في باب الحرية الشخصية .

فهذا طغيان واضح ، والبشرية تعاني منه ، ورعاية حقوق الإنسان أصبحت معولاً لهدم إنسانيته ، والنزول بها إلى درجة البهيمية .

أما شريعة محمد r فقد حققت توازناً رائعاً بين كل هذه الحقوق ، وتضمنت تكاملاً مدهشاً بينها ، وعززت التكامل بكثير من الحقوق الفرعية التي غفلت عنها القوانين الوضعية ، وعندما قررت حق الحرية ضبطته بما يحقق السعادة للإنسان ، و يجنبه الفوضى المهلكة .

كذلك أهم ما تتميز به الحقوق الإنسانية في رسالة محمد r هو تلك القدسية التي نالتها من ربانية التعاليم ، وهذا يعزز تطبيقها في المجتمع بأكمل وجه ، وينقلها من طور الشعارات إلى منحى تطبيقي ملزم مؤيد ببث ضمير حي مراقِب في داخل كل فرد ، فحق الحياة ليس شعاراً ، بل هو حق مقدس يعتبر التهاون به سبباً للعقاب الدنيوي والأخروي ، وكذلك الحقوق الأخرى .

فهذه هي حقوق الإنسان في تعاليم رسالة محمد r ، وهي حقوق متوازنة متوافقة وفطرة الإنسان لا تنبو عنها قيد أنملة ، وهذا يعطيها الخلود والثبات المشوب بالمرونة الكفيلة بإسعاد البشرية لو اختارتها منهجاً لها ، وكل منصف مطلع على منظومة الحقوق الإنسانية في الرسالة المحمدية يدرك هذه المسلمة ، ويعلم أن ما جاء به محمد r هو الهدف المنشود لكل إنسان على ظهر البسيطة ، يقول المستر ماك برايد الأستاذ في جامعة دوبلن ووزير خارجية إيرلندا السابق في الندوة العلمية المنعقدة في الرياض في شهر صفر 1392 هـ : « من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب ان تعلن حقوق الإنسان لا من غيره من البلدان . » ويقول زميله : « إن أحكام القرآن في حقوق الإنسان هي لا شك تتفوق على ميثاق حقوق الإنسان . » ([36])

([1]) أخرجه الترمذي برقم 2018 ، وقال : حديث حسن غريب [ السنن ( 4/370) ]

([2]) أخرجه الترمذي برقم 2002 ، وقال : حسن صحيح [ السنن ( 4/362) ]

([3]) أخرجه أبو داود 4800 [ السنن ( 4/253) ] ؛ قال الهيثمي : رواه الطبراني في ثلاثة ، وإسناده حسن [ مجمع الزوائد ( 1/157) ]

([4]) أخرجه البخاري برقم 5672 [ البخاري ( 5/2240) ]

([5]) أخرجه أحمد 9673 [ المسند ( 2/440) ] ؛ والحاكم برقم 7305 [ المستدرك ( 4/184) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات [ مجمع الزوائد ( 8/169) ]

([6]) أخرجه مالك برقم 1609 [ الموطأ ( 2/904) ] ؛ وأحمد برقم 8939 [ المسند ( 2/381) ] ؛ والحاكم برقم 4221 ، وقال صحيح على شرط مسلم [ المستدرك ( 2/760) ] قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 9/15) ]

([7]) أخرجه البخاري برقم 16 [ البخاري ( 1/14) ]

([8]) أخرجه البخاري برقم 2310 [ البخاري ( 2/862) ]

([9]) أخرجه الترمذي برقم 1956 ، وقال : حديث حسن [ السنن ( 4/339) ] ؛ وابن حبان برقم 474 [ صحيح ابن حبان ( 2/221) ]

([10]) أخرجه أبو داود برقم 5125 [ السنن ( 4/333) ] ؛ وأحمد برقم 13559 [ المسند ( 3/241) ] ؛ والحاكم برقم 7321 ، وقال : حديث صحيح الإسناد [ المستدرك ( 4/189) ]

([11]) أخرجه مسلم برقم 2564 [ صحيح مسلم ( 4/1986) ]

([12]) أخرجه مسلم برقم 2812 [ صحيح مسلم ( 4/2166) ]

([13]) أخرجه الترمذي برقم 2510 [ السنن ( 4/644) ] ؛ قال الهيثمي : رواه البزار ، وإسناده جيد [ مجمع الزوائد ( 8/30) ]

([14]) أخرجه مسلم برقم 2565 [ صحيح مسلم 4/1987) ]

([15]) أخرجه البخاري برقم 15 [ البخاري ( 1/14) ]

([16]) سبق تخريجه

([17]) أخرجه مسلم برقم 2491 [ صحيح مسلم ( 4/1938) ]

([18]) أخرجه البخاري برقم 3416 [ البخاري (3/1322)

([19]) أخرجه البخاري برقم 3400 [ البخاري ( 3/1316) ]

([20]) الحجرات : الآية 13

([21]) أخرجه احمد برقم 23536 [ المسند ( 5/411) ] ؛ والطبراني برقم 4749 [ المعجم الأوسط ( 5/86) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 3/266) ]

([22]) أخرجه الترمذي برقم 3955 ، وقال : حسن غريب [ السنن ( 5/734) ] ؛ وأحمد برقم 2739 [ المسند ( 1/301) ] ؛ قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 8/58) ]

([23]) أخرجه مسلم برقم 2865 [ صحيح مسلم ( 4/2198) ]

([24]) أخرجه البخاري برقم 4622 [ البخاري ( 4/1861 ) ]

([25]) أخرجه البخاري برقم 30 [ البخاري ( 1/20) ]

([26]) انظر صفحة 163 وما بعدها ، وصفحة 169 وما بعدها

([27]) انظر سلطان : تاريخ أهل الذمة في العراق (124) ، نقلاً عن بارتولد : الحضارة الإسلامية (19)

([28]) ول ديورانت : قصة الحضارة (13/130)

([29]) الحديد : من الآية 25

([30])النحل : الآية 90

([31])المائدة : الآية 8

([32])النساء : الآية 135

([33]) الطبري : تاريخ الطبري ( 2/401)

([34]) المرجع السابق ( 2/402)

([35]) أخرجه مسلم برقم 2586 [ صحيح مسلم ( 4/1999) ]

([36]) نقلاً عن الحسني : محمد الإنسان الكامل ( 258)


 
  • إعجاب
التفاعلات: أبو مشاري

محمد 68

عضو
إنضم
30 يناير 2014
المشاركات
153
مستوى التفاعل
237
النقاط
47
معذرة هذا النص مع التعديل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا موضوع جميل يعرف برسالة الإسلام
محمد عليه السلام رسول الخير للإنسانية

أحياناً تعزب العقول ويستحكم الهوى والجهل ، وتغيب الموضوعية ، وتعمى القلوب والأبصار ويخرج علينا من حين لآخر من يقلل من شأن النبي محمد عليه السلام ، أو ينسبه لبعض النقائص وهو مبرأ منها ، أو يغمط الخير الذي جاء به أو الخدمة الإنسانية التي قدمها للبشرية ، وأحياناً يبلغ الظلم مداه عندما يزعم البعض أن محمداً لم يأت بخير للبشرية ، بل هو الذي عزز العنف والقسوة وشرعه في المجتمع الإسلامي ، ثم نجد هؤلاء يأتون بشبهات لا رصيد لها من الواقع ، وأحياناً ينسبون بعض التصرفات الخاطئة من بعض المسلمين لصاحب الرسالة نفسه ، ثم يخلصون بنتيجة أن محمداً هو الذي زرع بذورها .

وهذه المزاعم لا تحتاج منا رداً متشنجاً ، لأن كل لحظة من حياة النبي محمد عليه السلام تعتبر دليلاً من دلائل كمال الخير الذي جاء به ، أما أصحاب هذه المزاعم فهم أمام ثلاث :

- إما أن يبرهنوا عليها ولو بموقف واحد من حياة النبي محمد عليه السلام الدعوية على مدار الثلاثة وعشرين سنة ولن يجدوا إلا شبهات لن تستقيم وتهم شبيهة بمزاعم أبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم من سدنة الجاهلية الأولى .

- وإما أن يكفوا عن إيذاء الإنسانية كلها بالطعن في أشرف مظهر لها لأن الطعن بالنبي محمد عليه السلام ليس فيه إيذاء للمسلمين فقط ، بل هو طعن في إنسانية الإنسان بتشويه أجمل صورة في تاريخه .

- وإما أن يدخلوا حلبة المراغمة والجدال بالتي هي أحسن من خلال دحض مسلمة يؤمن بها كل مسلم في الأرض والإجابة على سؤال واحد يرشد إليها وهو : ما هو الخير الذي لم يأتِ به محمد r ؟ و أي فضيلة لم يدعُ لها ؟

طبعاً : لن تكون إجابة كل باحث متحري موضوعي - سواء كان مسلماً أو غير مسلم - إلا القول أن محمداً لم يترك شيئاً من الخير إلا دعا له ، ولم يترك شيئاً من الشر إلا نها عنه .

وفي هذا البحث أذكر على سبيل الإجمال بعض جوانب الخير التي جاء بها محمد r للإنسانية جمعاء ، وذكرها يرشد لغيرها من جوانب الخير بإذن الله سبحانه وتعالى .

أولاً : محمد عليه السلام نبي الرحمة العالمية .

وهذا العنوان الذي استهللت به فقراتي لست بحاجة للتدليل عليه ، فكل سطر في هذا الكتاب ليرشد إليه صراحة ، يكفي القول هنا أن الذي يرحم طيراً ويرد له فرخيه ، أو يغضب لحشرة تقتل دون داعي ، ويعاتب من يجيع جمله أو يرهق حماره لهو أولى بأن يرحم الإنسان .. بل كل الإنسانية .

ثانياً : النبي محمد عليه السلام داعية الأخلاق و معزز الفضيلة .

كان النبي محمد عليه السلام بأخلاقه السامية قدوة لكل من حوله للارتقاء في سلم الفضائل إلى أعلاه ، ولم يقتصر على ذلك ، بل كان حريصاً من خلال هديه على تعزيز التنافس في الفضيلة واجتناب الرذيلة ، فيقول : « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ . » ([1]) « مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ . » ([2]) « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ » ([3])

ونراه يقرن بين العقيدة والأخلاق على أساس أنهما صنوان لا يفترقان : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ . » ([4])

بل نرى النبي عليه السلام لا يرى للعبادة قيمة ما لم يتوج صاحبها بخلق حسن : « قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا . قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ . » ([5])

و نراه يعتبر المقصد الأسمى لرسالته هو نشر الفضيلة وتتميم مكارم الأخلاق : « إنما بعثت لأتمم - في رواية : صالح - مكارم الأخلاق » ([6])

ومن الأخلاق الذي دعا إليها واجتهد على تعزيزها بين المسلمين : بر الوالدين ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والأمانة والصدق والكرم والإيثار والعدل والاعتدال ، والإخلاص والتواضع ، ومقابلة السيئة بالحسنة ، و التجاوز عن هفوات الآخرين ، والرضا بالقليل ، والقناعة بما قسم الله ، وكظم الغيظ ، والعفو ، وإحسان الظن ، ومقابلة الغير بالبشاشة ، والرحمة بخلق الله ، والإصلاح بين العباد ، والوفاء بالعهد ، وإنجاز الوعد ، وتحرير النفس من ربقة الشهوات ومراقبتها في الله ، واللين في القول ، والرفق في المعاملة ، ونصرة المظلوم وإجابة الدعوة وإغاثة الملهوف ...

ومن الأخلاق الذميمة التي نهى عنها : الفسق والعصيان والفحش في القول والعمل ، وغلظة القلب ، والبخل والشح ، والكبر والحقد والحسد والرياء ، والسخط والغضب ، والفظاظة والوقاحة وقلة الحياء ، والكسل والبطالة ، والعناد والمكابرة في الحق ، والنميمة والسخرية والغيبة والاستهزاء بالغير أو استصغارهم ، واللعن واللمز والتعيير ، والطيش والخفة ، والطيرة والتشاؤم والشماتة والتهور ، والكذب وشهادة الزور وإفشاء السر ن والتشاحن والبغضاء أو الاستطالة على الأعراض ، والمن بالصدقة أو كفران النعمة ، و الخيانة والمكر والخديعة ، وبخس الكيل والغصب والرشوة ... إلخ

ومن تتبع هدي النبي عليه السلام يجد أنه قد أشبع التفصيل والاستقصاء في الأمر بالفضيلة وإن صغرت أو النهي عن الرذيلة وإن قل خطرها .

وتتميز الأخلاق في رسالة النبي محمد عليه السلام بأنها مزجت بالإيمان وتعلقت به ، فلا إيمان بدون أخلاق ، ولا عبودية بدون فضيلة ، وهذا أكسب الأخلاق إلزاماً تطبيقياً عند أتباع الرسالة ، بل كانوا يتنافسون في الارتقاء في السلم الأخلاقي .

ثالثاً : النبي محمد عليه السلام رسول المحبة .

حرص النبي عليه السلام على تعزيز عاطفة الحب وتهذيبها لتقوم بدورها الأصيل التي خلقت لأجله ، و استطاع عبر رحلته الرسالية أن يؤلف بين القلوب المتنافرة ، ويجمع العرب مع ما تميزوا به من فرقة وشحناء عززتها العصبية القبلية ، ويصهرهم على قلب رجل واحد ، وقد تنوعت التشريعات الدالة على ذلك منها :

1- تعزيز المحبة : وذلك باعتبارها فضيلة لا تدانيها فضيلة ، بل هي جزء من الإيمان الذي لا يمكن تذوق حلاوته إلا من خلالها يقول r : « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ . » ([7])

2- التأكيد على الأخوة والأعمال الداعية للمحبة : يقول r « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » . « تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ » ([8]) « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » ([9])عن أنس t : « مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ r وَعِنْدَ النَّبِيَّ عليه السلام رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ : وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام : أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا . فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ . فَقَالَ الرَّجُلُ : أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فيه . » ([10])

فالنصوص السابقة تبرز جانباً من الهدي النبوي الكفيل بتمتين العلاقات وتعزيز المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي .

3- محاربة كل فعل أو خلق ينقص المحبة والترابط بين أفراد المجتمع : يقول الرسول عليه السلام « لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » ([11])

4- التحذير من كيد الشيطان الموهن للمحبة بين الناس يقول عليه السلام : « إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ . » ([12])

5- بيان خطورة البغضاء و عواقبها على الفرد والمجتمع يقول r : « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ . » ([13]) « تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا . » ([14])

6- تهذيب عاطفة الحب وتوجيهها الوجهة السليمة ، وتركيزها نحو الأهداف السامية ، حيث عزز حب الفضيلة عند أصحابه ، وحب الخير والحرص على نشره ، وبالمقابل حرص النبي عليه السلام على عدم غلو عاطفة الحب في جانب على حساب آخر ، فلئن أكد على حب الوطن والأهل وغيرها من المحبوبات إلا أنه حرص على عدم طغيان هذه المحبوبات على فكر الناس بحيث تكون مدعاة لحصول الشحناء ، فحب القبيلة ليس داعية للإذعان لها في الحق والباطل ، وحب الأهل ليس مدعاة للطغيان وظلم الآخرين ، وتحصيل مصالح الأهل لا يكون على حساب تغييب مصالح الغير ، وميل الرجل للمرأة ليس مدعاة للوقوع في الفاحشة أو المنكر ، بل يضبط بضوابط الشرع وفق ما أحله الله سبحانه وتعالى .

7- تركيز عواطف الناس ودواعي المحبة لديهم نحو الغايات العليا لتجتمع القلوب وتتوحد عواطف المحبة ، ومن هذا الوجه أكد النبي r على ضرورة محبة الرسالة والرسول والمرسل : « لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . » ([15]) « ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا » ([16]) ، واستطاع النبي عليه السلام بالفعل أن يوجه العواطف المتضاربة والمتفرعة والموزعة لدى المجتمع نحو عاطفة الحب ، وتركيزها في الغايات العليا ، وتهييجها نحو الفضيلة ، وقد سطر المجتمع آيات في الحب والتفاني نحو الرسالة والرسول والمرسل تعتبر الأولى من نوعها على مستوى البشرية من حيث نوعيتها وعدد القائمين بها ، بل بعض حكايات الصحابة في حب الغايات السامية والتفاني لأجلها فاقت التصور ، فالبعض يجيع صغاره ليطعم ضيفه ، والمرأة الدينارية ترى أن وفاة زوجها وولدها وأبيها هيناً ما دام صاحب الرسالة قد نجا من الموت ، وعبدالله بن حذافة السهمي يجيب ملك الروم الذي ساومه على ترك دينه ويتنصر مقابل إشراكه في ملكه ، فيقول له : والله لو أعطيتني ملكك وملك العرب جميعاً ما تركت دين محمد r طرفة عين . و هكذا تحول المجتمع بفضل جهد النبي r إلى شعلة متآلفة من الحب والعطاء ، حتى أصبح المرء في المجتمع المسلم يحب الخير في يد أخيه أكثر مما يحبه في يده .

6- اغتنام دعوته المستجابة واستثمارها في تعزيز المحبة ، ومن ذلك أن أبا هريرة t جاء النبي r بعد إسلام أمه فقال له : « يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ وَأُمَّهُ - إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِّبْ إِلَيْهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي » ([17])

رابعاً : النبي محمد عليه السلام معزز الأمن المجتمعي وناشر السلام في الأرض .

بعث النبي r في مرحلة تعتبر الأكثر زعزعة على مدار التاريخ ، حرم فيها الناس خاصة في جزيرة العرب من نعمة الأمن ، و لم ينعم بها على وجه الخصوص إلا أهل مكة بحكم مجاورتهم للبيت الحرام ، أما باقي الجزيرة العربية فقد ساد فيها ثقافة السلب والنهب والاقتتال لأتفه الأسباب حتى أفنت الحروب المتوالية أكثر رجالهم ، وكانت قبائل بأكملها تمتهن مهنة السلب والنهب وقطع الطريق كبعض قبائل طيء وغيرها ، أضيف إلى ذلك انتشار جرائم القتل المتنوعة في داخل المجتمع ، بل الفاقة والفقر كانا كفيلين بحرمان كثير من الأطفال من حياتهم في بدايتها وعلى يد أقرب الناس إليهم ، ولم يسلم المجتمع في ليله من كثير من حالات الاغتيال والغدر ، وكان لغياب الأمن أثره على العربي الذي لم يكن ينام الليل ؛ حيث يبقى على أعلى درجات الاستنفار ، ويجد نفسه دائماً بين خيارين : إما يجهز نفسه للإغارة على الغير وسلبهم ، وإما يتحين وقوع الغارة عليه من الغير .

في ظل هذا الواقع المرير بدأ النبي عليه السلام رسالته ، وجعل من أسمى الغايات التي يبشر بها ويحرص على تحقيقها : توفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ؛ لذا بدأ رسالته بوعود متكررة تدل على أن هذه الغاية ستتحقق في المجتمع بأكمل وجه ، وتصدر منه هذه الوعود وهو لا يستطيع أن يحقق لنفسه ولا لأقرب الناس إليه الأمن من غيلة قريش وغدراتهم ، يأتيه خباب t وهو متوسد بردة في حجر الكعبة مع غيره من المعذبين يشكون له ما أصابهم قائلين له : « أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ! أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ! فقَالَ لهم النبي عليه السلام : كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » ([18])

هذه الكلمات خرجت من فم النبي عليه السلام في أحرج الظروف من الناحية الأمنية ، وقد تضمنت وعداً وبشارة بتحقيق الأمن للمجتمع بأسره حتى أقصى جنوب الجزيرة ، ويقطع الراكب مسافات شاسعة آمناً لا يخاف على نفسه ولا على غنمه إلا من قدر السماء وعوادي الوحوش،أما من جهة أخيه الإنسان فسيبلغ الأمن من جهته مداه .

وكان وعد النبي r وبشارته بتحقيق الأمن المجتمعي والاقتصادي أمراً لا تتصوره العقول خاصة في ظل الواقع المعقد الذي وصل إليه العرب ، وتلك الثقافة المميتة التي تشربتها عقولهم ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ t قَالَ : « بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ r إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ : يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ؟ قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ : فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّه . َ قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ ؟
وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى . قُلْتُ . كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ !! قَالَ : كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ .

وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ...

قَالَ عَدِيٌّ :فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ r يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ . » ([19])

هذه وعود صدرت من النبي عليه السلام في لحظة كان يتصور سامعه استحالة وقوعها أو بعده ، وعندما أشار النبي عليه السلام إلى أن المرأة ستخرج لوحدها آمنة مطمئنة من ناحية العراق تجوب كبد الجزيرة العربية إلى أن تصل الحجاز ، تعجب عدي t ، وقال في نفسه مستبعداً مرحلة حصول هذه البشارة لما يرى من الصعوبات والعقبات التي تحول دون وقوعها لعل أهمها تلك القبائل التي تشتهر بالسلب وقطع الطريق بحيث تخافها القوافل المسلحة فكيف بامرأة مجردة عن كل وسائل الدفاع ؛ لذا قال في نفسه : فأين صعاليك طيء أو قطاع الطرق فيها الذين دمروا البلاد نهباً وسلباً ، ماذا سيكون حالهم في تلك المرحلة ؟ وعندما وعد بالنصر على كسرى زاد عجبه ، وعندما وعد النبي r بتحقيق الأمن الاقتصادي ؛ بحيث يشمل كل فرد في المجتمع ، بل يزيد المال عن حاجتهم زاد الأمر غرابة في نفسه ... وما هي إلا سنوات قلائل حتى عاين عدي بنفسه أن الأمن المجتمعي قد بلغ مداه كما قال النبي r وكان أحد الفاتحين لكنوز كسرى ، أما بلوغ الأمن الاقتصادي مداه فهذا حصل مع انخرام القرن الأول في عهد عمر بن عبد العزيز الذي كان يطوف بالصدقة فلا يجد من يقبلها .

فهذا التغير السريع وغير المتصور على مستوى الأمن والرخاء ليشير صراحة إلى عظمة الجهد الذي قام به النبي r وتلك الحكمة المتناهية التي رزقها ؛ بحث قام بما عجزت عن جزء منه منظمات دولية بكل إمكانياتها الضخمة ، ومن ينظر إلى عظمة الإنجاز الذي قام به النبي محمد r يقف مدهوشاً أمامها ، هل يستطيع بشر أن يحقق ما حققه النبي محمد r ، والحقيقة في هذا الشأن أن بشراً عادياً مهما بلغ من كماله وعظمته لا بمكن أن يقوم بمثل هذا العمل الضخم ، لكن رجل كمحمد اصطنعته العناية الإلهية ليكون أسمى مظهر من مظاهر الرحمة الربانية ، وأكمل مثال بشري وطأ الأرض ، فيمكن تصور ذلك منه .

كذلك هذه النتيجة المذهلة على مستوى الأمن والرخاء لتدل صراحة على أن تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي كان جزء من غاياته السامية التي يحرص عليها ؛ لذا عندما نصفه بأنه رسول الأمن والسلام في الأرض لا نجانب الصواب بل هو الأولى بهذا اللقب على مستوى البشرية كلها ، وما زالت تعاليمه هي الأقوى والأنجع في تحقيق الأمن والسلم العالميين .

خامساً : النبي محمد عليه السلام داعية الحقوق الإنسانية والمدافع الأول عنها :

الناظر لرسالة النبي محمد عليه السلام يجد أنها بمجموعها تعتبر منظومة حقوقية متكاملة ردت للإنسان إنسانيته ، وسارت به نحو رفاهية الحياة ورغيدها ، وجنبته بتشريعاتها المتنوعة تسلط أخيه الإنسان ، حتى يمكن بحق القول أن محمداً r هو المقرر الأول للحقوق في الأرض والمدافع الأول عنها ، وهذه ليست دعوى عرية عن الإثبات ، بل الواقع قبل النصوص يدلان عليها ، و هذا تفصيل يبرز أهم الحقوق التي أثبتتها شريعة محمد عليه السلام .

حق الحياة : لم ينل حق الحياة عناية أكثر مما ناله في شريعة محمد r ؛ حيث تنوعت الأساليب الوقائية والعلاجية الكفيلة بحفظ الأرواح ، بل إعطائها قدسية تحول دون الاقتراب منها لا سفكها ، وهذا أمر قد بينته في باب العقوبات بما يغني عن إعادته هنا ، يكفي القول أن أي مقارنة إحصائية بين مجتمع يحتكم للشريعة الإسلامية ، وأي مجتمع غربي بخصوص نسبة جرائم القتل والعقوبات المترتبة عليها ، نجد أن البون شاسعاً بينهما لصالح الرسالة المحمدية والتشريعات الربانية التي جاء بها.

حق المساواة : جاء النبي r لتقرير هذا الحق على أكمل وجه باعتبار أن الأصل الإنساني واحد ، ولا مزية لجنس أو لون على غيره ، وهذا التساوي في أصل الخلقة يقتضي التساوي في الحقوق والواجبات دون تفريق ، قال الله سبحانه وتعالى : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ » ([20]) ويقول الرسول r : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى . » ([21]) « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ . » ([22]) وقد جاءت أحاديث كثيرة تشير إلى الأخوة الإنسانية ، وتقتضي عدم تمايز أحد على غيره أو افتخاره بعرق أو جنس : « إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » ([23]) ، وقد كان النبي r يحارب النعرات القومية التي يفخر بها الإنسان على أخيه الإنسان ويتعالى عليه واعتبر ذلك من مخلفات الجاهلية ، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : « كُنَّا فِي غَزَاةٍ ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ ! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ » ثم قال عن تلك الدعوة : « دعوها فإنها منتنة . » ([24]) وعندما عير أبو ذر غلاماً له بأمه بقوله : يا ابن الأعجمية قال له رسول الله r : « إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ » ثم بين له أن ظاهرة الرق لا تهيض من إنسانية الإنسان أو تبيح التعالي عليه أو استغلاله فقال : «إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ . » ([25]) ولتقرير حق المساواة بين الرجل والمرأة بين النبي r أن النساء شقائق الرجال ، وبهذه العبارة ألغى النبي r الفوارق بينهما ، فالشقيق هو المساوي لشقيقه من جميع الوجوه .

ويطرح البعض في حق المساواة شبهات متعددة منها ما يتعلق بالمرأة أو ظاهرة الرق ، وهذه الشبهات سبق التفصيل فيها والرد على أصحابها ([26]) ، ومن الشبهات التي تثار في هذا الحق قول البعض أن الإسلام وإن لم يعتبر الجنس والعرق واللون مدعاة للتمييز ، فقد اعتبر الدين مدعاة لذلك ، فأثبت لأهل الإسلام حقوقاً لم يثبتها لغيرهم ، نقول إن تمييز الإسلام بين أهله وغيرهم على أساس الدين لم يترتب عليه تغييب أي حق لغيره بحكم المساواة الإنسانية ، إنما التمييز بالحقوق مبني على طبيعة الواجبات ، فإن أوجب الإسلام على غير المسلم الجزية ، فقد أوجب على المسلم الزكاة ، ومن تتبع التاريخ الإسلامي يجد أن الملل الأخرى لم تجد من المسلمين إلا كل تسامح مبني على احترام إنسانيتهم ، يقول المستشرق بارتولد : « إن النصارى كانوا أحسن حالاً تحت حكم المسلمين إذ إن المسلمين اتبعوا في معاملاتهم الدينية والاقتصادية لأهل الذمة مبدأ الرعاية والتساهل . » ([27]) ويقول المستشرق المشهور ديورانت : « لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيراً في البلاد المسيحية في هذه الأيام . » ([28])

حق العدل : أما العدل بجميع ضروبه سواء حق الإنسان في محاكمة عادلة ، أو حقه في معاملة عادلة ، أو غير ذلك فقد أثبتتها شريعة محمد r بأكمل وجه ، وتميزت عن غيرها بأن إقامة العدل ليس حقاً إنسانياً ، بل مبدأً أساسياً في رسالة الإسلام استمد قدسيته من قدسية الرسالة ، وتنوعت التشريعات الدالة على ضرورة إقامته في المجتمع ، والعدل يأتي في الدرجة بعد معلم التوحيد ، بل هو لازم من لوازمه ، وتحقيق العدل في الأرض هو هدف أساس من أهداف الرسل جميعاً ، يقول الله سبحانه وتعالى : } لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ { ([29]) فالآية صريحة الدلالة بأنه ما من كتاب أنزل ولا رسول أرسل إلا لإقامة العدل في الأرض ، وتفريغ أي رسالة فضلاً عن الرسالة العظمى التي أكرم بها محمد r من العدل هو تغييب لهدف رسالي أصيل ؛ لذا وجدنا أن أجمع آية في القرآن الكريم قد ذكرت هذا المعلم بوضوح ، يقول الله سبحانه وتعالى : } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { ([30]) فهذه الآية أمرت بكل خير ونهت عن كل شر ، ولعل أهم جانب من جوانب الخير الذي حضت عليه هو إقامة العدل في الأرض .

ومن تتبع سيرة المصطفى r يجد أن الأمر بالعدل وإقامته كان من أهم سلوكياته وهديه حتى ارتقى بالصحابة الكرام من درجة العدل إلى درجة الإحسان كما بينت سابقاً ، وإقامة العدل في رسالة الإسلام مبدأ في كل الظروف و لا يتأثر بالعواطف ، يقول الله سبحانه وتعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى { ([31]) } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ { ([32]) فتحقيق العدل واجب ولو كان فيه مراغمة لعواطف العداوة والبغضاء وعواطف المحبة للنفس أو الأهل فلا العداوة تنقصه ولا المحبة تغيبه ، بل يكون إقامة العدل لله وحده بعيداً عن العواطف .

ويشهد التاريخ أن كثيراً من الصحابة – وبعضهم كانوا خلفاء أو أمراء - كانوا يقفون أمام القضاء مع خصومهم من اليهود أو النصارى ، وكان القضاة يحكمون في كثير من هذه الخصومات لصالح خصومهم ، مما يشير على طبيعة التربية التي تلقوها لإقرار العدل في الأرض دون اعتبار لجنس أو منزلة أو حسب أو دين .
حق الحرية :

كانت الصرخة الأولى التي جهر بها النبي r بالتوحيد في جنبات مكة بمثابة الإعلان عن تحرير للإنسان من أوهام الجاهلية وخرافاتها ، وتحرير له من استبداد أخيه الإنسان أو استعباده له ، وتحرير للعقل من أصار الهوى وأغلال التقليد ، وتحرير للنفس من ربقة الشهوات ، وتحرير للروح من سيطرة الغريزة وهيمنة الدنيا ، وتحرير للعباد من عبادة العباد سواء كانوا ملوكاً و أسياداً أو أحباراً ورهباناً ، فالتوحيد في شكله ومضمونه رسالة حرية وتحرير ، وقد عبر ربعي بن عامر t عن ذلك عندما سأله رستم عن سبب مجيئهم وإقدامهم على غزو الفرس ، فقال : « الله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . » ([33]) بهذه العبارات بين ربعي t أهم مقاصد رسالة محمد r ، وهو تحرير الإنسان من مظاهر العبودية لأخيه الإنسان ، وهذا هو جوهر الحرية ، فالإسلام لا ينظر للإنسان على أنه يملك سلطة تخوله استعباد أخيه ، ولقد صرح المغيرة بن شعبة لرستم بذلك عندما قال : « كانت تبلغنا عنكم الأحلام ، ولا أرى قوما أسفه منكم ، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه فظننت أنكم كذلك مع قومكم ، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض . » ([34]) فالمغيرة يستنكر ويهوله ما يراه من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان ، ويراه لا يليق بكرامة الإنسان ، بل هو ضرب من السفه والاستخفاف بالبشرية ، ثم بين أن العرب لا يستعبد بعضها بعض ، بل لكل إنسان كرامته وحريته ، وليس للحاكم سلطة تخوله قسر إرادة المحكوم أو سلبها .

فهذه المواقف تشير إل أن تحقيق الحرية وتحرير العباد كانا هدفاً سامياً من أهداف رسالة محمد r ، بل رسالته كلها كانت ثورة على الظلم والاستعباد ، رسالة جعلت بلالاً t الذي كان قبل الإسلام عبداً من الدرجة الرابعة ممن لا يحق له أن يدخل على سيده لخدمته ، بل يبقى عند الخيل ليسوسها فقط ، فهذا الرجل بعد الإسلام نال أعلى درجات الكرامة حتى أصبح مؤذن رسول الله r وخازنه ؛ أي من يتوكل بجمع الأموال وتصريفها ، أو بعبارة أخرى كان بمثابة وزير مالية في الدولة المحمدية ، وبلغ من الكرامة ، أن قاهر الفرس والروم والخليفة الثاني لرسول الله عمر t يقول عنه : سيدنا بلال ، وأعتقه سيدنا أبي بكر ، بل كثير من العبيد نالوا الدرجات العليا في السلم الاجتماعي للدولة المحمدية كعمار بن ياسر t وغيره .

ولعل أبرز الحريات التي جاءت رسالة محمد r لتقريرها : الحرية الدينية المبنية على مبدأ لا إكراه في الدين ، والحرية السياسية التي تكفل للجميع إبداء آرائهم السياسية ، وصلح الحديبية خير شاهد على ذلك ، وحرية الفكر ؛ حيث أطلقت رسالة محمد r العنان للعقل في التأمل والبحث دون قيود عليه باعتبار أن العقل والدين صنوان لا يفترقان ولا يتعارضان في الإرشاد للحقيقة أو الوصول إليها ، ومن تتبع آيات القرآن الكريم يجد كثيراً من الآيات التي تذم التقليد ، وتحارب انغلاق العقول أو أسرها ، وتدعو لتحرير العقل والفكر ، وتعزز التأمل والبحث ، ونلحظ أن حرية العقل والفكر في الشريعة قد سيجت بضابط هام ، وهو أن للعقل الخوض والبحث في كل ما يدخل ضمن حدوده ، أما خارج حدوده مما لا يستطيع العقل الخوض فيه لقصوره أو قصور الحواس التي تمده بالمعارف ففي هذه الحالة يسند العقل المهمة للوحي ، أو يسلم العقل القاصر في معارفه للعقل الكلي المحيط بأسرار الكون وحقائق الموجودات .

أما حرية الرأى فقد كفلها الإسلام ، وتعهدها النبي r في كل خطوة من خطواته ؛ حيث كان يشاور أصحابه في أكثر شأنه العام ، ويقبل بمراجعاتهم ، يأخذ برأيهم إن رأى صوابه ، بل لاحظنا في غزوة أحد أن النبي r قد أخذ برأي الأكثرية مع اختلافه معهم بالرأي ، وكل ذلك رعاية لحرية الرأي وتعزيز لها في المجتمع .

أما تقرير حرية المرأة أو العبيد فقد راعاها النبي r بأكمل الوجوه ؛ حيث رد للمرأة كرامتها وإنسانيتها وساوى بينها وبين الرجل في كل الحقوق حتى في المرجعة السياسية ، وموقف أم سلمة في الحديبية خير شاهد على ذلك .

باقي الحقوق : أما الحقوق الأخرى كحق التكافل الاجتماعي ورعاية المسنين والفقراء والمحتاجين وتوفير فرص عمل ، وحق الإنسان في الانتماء لأسرة وغير ذلك ، فإن رسالة محمد r كانت الأوفى حظاً والأكمل تشريعاً في هذا الباب ، بل كل رسالة النبي محمد r مبنية على التكافل ، و رسالته لم تقتصر على رعاية الأسرة الصغيرة والانتماء إليها ، بل بلغت في درجة الكمال أن حولت المجتمع كله كأسرة واحدة في العواطف والآمال والواجبات والحقوق والتعاطف والتواد ، بل حولت المجتمع كجسد واحد ، يقول الرسول r : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى . » ([35])

ميزة الحقوق الإنسانية التي جاء بها محمد r مقارنة مع القوانين الدولية :

لعل أهم ما تتميز به الحقوق في رسالة محمد r هو الشمولية والتوازن والانضباط والتكامل ، فالإسلام عندما راعى حقوق المرأة لم ينظر فقط لتلك المرأة الشابة التي تبحث عن بعض الحقوق ، بل رعاها طفلة ، وتعهدها شابة ، واعتنى بها كأم ، وعزز الاهتمام بها كمسنة ، ولم تقتصر حقوقها على الجانب المادي ، بل تعداه إلى الجانب النفسي ، وإن شئت فقارن بين امرأة مسنة ملقاة في دار عجزة ، لا يزورها أبناؤها الذين فروا منها عبر مسرح الحياة إلا في مناسبات محدودة ، وبين امرأة مسنة كفل لها التشريع القدسية كأم ، واعتبر العناية بها وتكريمها حال ضعفها من أعظم موجبات الرحمة ، وأكد على حقوقها لدرجة أن حرم التأفف في وجهها ، بل اعتبر برها والحنو عليها والاعتناء بتكريمها والصبر عليها سبباً في نيل رضوان الله ، وبالمقابل أي شكل من أشكال التقصير معها يعتبر من أعظم الأسباب الموجبة للعذاب .

فمقارنة بين هاتيـن الصورتين تبرز لنا مدى الشمولية التي اتسمت بها رسالة الإسلام في رعاية الحقوق .

أما التوازن بين الحقوق فهذا مما تتميز به رسالة الإسلام عن غيرها ، ونقصد بالتوازن بين الحقوق أن الإسلام إذا راعى حقاً من الحقوق فإنه لا يغلو به على حساب الحقوق الأخرى ، ولا يسمح له أن يتجاوز حده فينقلب إلى ضده ، وهذا الغلو واضح في القوانين الوضعية ، فهي عندما طالبت بحقوق الإنسان غيبت حق الله سبحانه وتعالى ، بل افتعلت تعارضاً بين حق الله والحق الإنساني ، وهذا غلو حرم البشرية من روحها وأقدس حقوقها ، أو بعبارة أخرى كان هذا غلواً للجسد على حساب الروح ، والمادة على حساب الفضيلة .

وعندما طالبت بحق الحرية لم تضبطه بأي ضابط ، وأطلقت له العنان حتى تحول إلى فوضى استفاد منها سخفاء البشرية وأراذلهم على حساب عقلائهم وسوادهم الأعظم ، وترتب على ذلك تغييب الفضيلة ونشر الرذيلة في المجتمع الإنساني ، وطغى هذا الحق على غيره من الحقوق كحق الانتماء لأسرة ، أو حق الحياة ؛ حيث عمت الجريمة بحجة حماية الحرية ، وطعنت إنسانية الإنسان وكرامته بحجة حماية حرية التعبير ، حتى أضحى تشويه أسمى المظاهر الإنسانية وأجمل صورها نوعاً من الحرية ، وبـات الطعن في الأنبياء والرسل حقاً إنسانياً وجب المحافظة عليه .

وعندما طالبت بحق المرأة طالبت بمساواتها مع الرجل من جميع الوجوه مع أن الله سبحانه وتعالى قد فرق بينهما من الناحية الفطرية ، وترتب على هذه المساواة حرمان المرأة من أقدس حقوقها كحق الإرضاع والحضانة والتربية ، بل ألبستها ثوباً غريباً عليها حرمها من طبيعتها الأنثوية .

وعندما طالبت بالحريات الشخصية خرجت بالإنسان عن فطرته ، وأباحت له ما لا تستبيحه أرذل الحيوانات ، وذلك عندما أجازت بعض القوانين زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء بحجة أن ذلك يدخل في باب الحرية الشخصية .

فهذا طغيان واضح ، والبشرية تعاني منه ، ورعاية حقوق الإنسان أصبحت معولاً لهدم إنسانيته ، والنزول بها إلى درجة البهيمية .

أما شريعة النبي محمد r فقد حققت توازناً رائعاً بين كل هذه الحقوق ، وتضمنت تكاملاً مدهشاً بينها ، وعززت التكامل بكثير من الحقوق الفرعية التي غفلت عنها القوانين الوضعية ، وعندما قررت حق الحرية ضبطته بما يحقق السعادة للإنسان ، و يجنبه الفوضى المهلكة .

كذلك أهم ما تتميز به الحقوق الإنسانية في رسالة محمد r هو تلك القدسية التي نالتها من ربانية التعاليم ، وهذا يعزز تطبيقها في المجتمع بأكمل وجه ، وينقلها من طور الشعارات إلى منحى تطبيقي ملزم مؤيد ببث ضمير حي مراقِب في داخل كل فرد ، فحق الحياة ليس شعاراً ، بل هو حق مقدس يعتبر التهاون به سبباً للعقاب الدنيوي والأخروي ، وكذلك الحقوق الأخرى .

فهذه هي حقوق الإنسان في تعاليم رسالة النبي محمد r ، وهي حقوق متوازنة متوافقة وفطرة الإنسان لا تنبو عنها قيد أنملة ، وهذا يعطيها الخلود والثبات المشوب بالمرونة الكفيلة بإسعاد البشرية لو اختارتها منهجاً لها ، وكل منصف مطلع على منظومة الحقوق الإنسانية في الرسالة المحمدية يدرك هذه المسلمة ، ويعلم أن ما جاء به محمد r هو الهدف المنشود لكل إنسان على ظهر البسيطة ، يقول المستر ماك برايد الأستاذ في جامعة دوبلن ووزير خارجية إيرلندا السابق في الندوة العلمية المنعقدة في الرياض في شهر صفر 1392 هـ : « من هنا ومن هذا البلد الإسلامي يجب ان تعلن حقوق الإنسان لا من غيره من البلدان . » ويقول زميله : « إن أحكام القرآن في حقوق الإنسان هي لا شك تتفوق على ميثاق حقوق الإنسان . » ([36])

([1]) أخرجه الترمذي برقم 2018 ، وقال : حديث حسن غريب [ السنن ( 4/370) ]

([2]) أخرجه الترمذي برقم 2002 ، وقال : حسن صحيح [ السنن ( 4/362) ]

([3]) أخرجه أبو داود 4800 [ السنن ( 4/253) ] ؛ قال الهيثمي : رواه الطبراني في ثلاثة ، وإسناده حسن [ مجمع الزوائد ( 1/157) ]

([4]) أخرجه البخاري برقم 5672 [ البخاري ( 5/2240) ]

([5]) أخرجه أحمد 9673 [ المسند ( 2/440) ] ؛ والحاكم برقم 7305 [ المستدرك ( 4/184) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات [ مجمع الزوائد ( 8/169) ]

([6]) أخرجه مالك برقم 1609 [ الموطأ ( 2/904) ] ؛ وأحمد برقم 8939 [ المسند ( 2/381) ] ؛ والحاكم برقم 4221 ، وقال صحيح على شرط مسلم [ المستدرك ( 2/760) ] قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 9/15) ]

([7]) أخرجه البخاري برقم 16 [ البخاري ( 1/14) ]

([8]) أخرجه البخاري برقم 2310 [ البخاري ( 2/862) ]

([9]) أخرجه الترمذي برقم 1956 ، وقال : حديث حسن [ السنن ( 4/339) ] ؛ وابن حبان برقم 474 [ صحيح ابن حبان ( 2/221) ]

([10]) أخرجه أبو داود برقم 5125 [ السنن ( 4/333) ] ؛ وأحمد برقم 13559 [ المسند ( 3/241) ] ؛ والحاكم برقم 7321 ، وقال : حديث صحيح الإسناد [ المستدرك ( 4/189) ]

([11]) أخرجه مسلم برقم 2564 [ صحيح مسلم ( 4/1986) ]

([12]) أخرجه مسلم برقم 2812 [ صحيح مسلم ( 4/2166) ]

([13]) أخرجه الترمذي برقم 2510 [ السنن ( 4/644) ] ؛ قال الهيثمي : رواه البزار ، وإسناده جيد [ مجمع الزوائد ( 8/30) ]

([14]) أخرجه مسلم برقم 2565 [ صحيح مسلم 4/1987) ]

([15]) أخرجه البخاري برقم 15 [ البخاري ( 1/14) ]

([16]) سبق تخريجه

([17]) أخرجه مسلم برقم 2491 [ صحيح مسلم ( 4/1938) ]

([18]) أخرجه البخاري برقم 3416 [ البخاري (3/1322)

([19]) أخرجه البخاري برقم 3400 [ البخاري ( 3/1316) ]

([20]) الحجرات : الآية 13

([21]) أخرجه احمد برقم 23536 [ المسند ( 5/411) ] ؛ والطبراني برقم 4749 [ المعجم الأوسط ( 5/86) ] ؛ قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 3/266) ]

([22]) أخرجه الترمذي برقم 3955 ، وقال : حسن غريب [ السنن ( 5/734) ] ؛ وأحمد برقم 2739 [ المسند ( 1/301) ] ؛ قال الهيثمي : رجال أحمد رجال الصحيح [ مجمع الزوائد ( 8/58) ]

([23]) أخرجه مسلم برقم 2865 [ صحيح مسلم ( 4/2198) ]

([24]) أخرجه البخاري برقم 4622 [ البخاري ( 4/1861 ) ]

([25]) أخرجه البخاري برقم 30 [ البخاري ( 1/20) ]

([26]) انظر صفحة 163 وما بعدها ، وصفحة 169 وما بعدها

([27]) انظر سلطان : تاريخ أهل الذمة في العراق (124) ، نقلاً عن بارتولد : الحضارة الإسلامية (19)

([28]) ول ديورانت : قصة الحضارة (13/130)

([29]) الحديد : من الآية 25

([30])النحل : الآية 90

([31])المائدة : الآية 8

([32])النساء : الآية 135

([33]) الطبري : تاريخ الطبري ( 2/401)

([34]) المرجع السابق ( 2/402)

([35]) أخرجه مسلم برقم 2586 [ صحيح مسلم ( 4/1999) ]

([36]) نقلاً عن الحسني : محمد الإنسان الكامل ( 258)
 

مواضيع ممائلة