- إنضم
- 30 نوفمبر 2014
- المشاركات
- 4,420
- التفاعل
- 26,638
- النقاط
- 122
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شأن موسى والخضر - عليهما السلام - :- " يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا "
المشهد الأول ... أخرقتها لتغرق أهلها
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا "
عجب موسى – عليه السلام – من صنيع الخضر – عليه السلام – بسفينة المساكين ، وأنكر عليه خرق السفينه مخافة أن يُغرق أهلها ، وهو – عليه السلام – لم يغرق عندما وضعته أمه في تابوت وألقته في اليم ... رضيعاً ضعيفاً تتقاذفه الأمواج وتحوطه عناية الله الحكيم العليم المنان ... الذي يدبر الأمر من وجوه قد تبدو للمخلوق – الذي ينظر إلى ظاهر القدر – أن فيها التهلكه .
لقد كانت السفينة المعيبة بخروق في جسمها طوق نجاة من ملك ظالم يأخذ كل سفينة صالحة مليحة غصباً ، كما كان التابوت الخشبي الذي يحمل بين جنباته رضيعاً مسكيناً ، كل ذنبه وجلُ عيبه أنه مولود ذكر خافت عليه أمه من سكاكين جند فرعون التي أزهقت – في طلبه- أرواح آلاف الرضع الذكور من بني اسرائيل .
إنها إرادة الرب المدبر الذي قال – سبحانه تعالى – في محكم التنزل :- " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " ... فكانت بداية الأمر " أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ " وتمام المنه في قوله – عز وجل - :- " وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ " ، وقيسوا على ذلك ما كان من أمر سفينة المساكين .
وكما أن حق التقوى هو دوام مراقبة الله – عز وجل – في السر والعلن واستواء ظاهر المرء مع باطنه ، فإن حق العلم والتعلم هو الإحاطه بما بدي من ظاهر الأمور والمسائل والإلمام بما خفي ودق من بواطنها وأسرارها .. فهذا هو العلم الحق الذي يجد به المرء في قلبه ونفسه رحمة بعباد الله ، إنها رحمه من نوع خاص تستلهم قبساً من رحمة الله الذي وسع كل شيئ رحمة وعلماً . وقد وصف المولى – سبحانه وتعالى –الخضر – عليه السلام – فقال عنه :- " عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا " .
فالمفترض بالمرء أنه كلما ازداد علماً ... ازداد خشوعاً ووقاراً وتذللا لربه الذي علمه وتفضل عليه ، لا أن يغتر ويعجب بنفسه ويتطاول بعلمه على عوام الناس . ويجدر بنا هنا أن نورد السبب الذي ركب موسى من أجله البحر ليتعلم من الخضر ، فكانت هذه القصه الرائعه .
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- " قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا أعلم قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك ....... "
***
المشهد الثاني ... لقد جئت شيئاً نكراً
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا "
يمر موسى والخضر – عليهما السلام – بغلام يلعب مع الصبيان ، فإذا بالخضر يقتلع رأس الصبي ...إنه قتل لنفس على الهواء مباشرة وبدون أي مبرر لمن عاين الحدث ... كان وقع الجريمه شديداً على موسى – عليه السلام - ، فأنكر على الخضر فعلته ، ونسي موسى أنه قد قتل نفساً من قبل ... " قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ " ، ولقد من الله – عز وجل – على موسى بذلك فقال – سبحانه وتعالى - :- " وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " .
سنوات طوال قد مرت منذ أن أمسى موسى – عليه السلام – خائفا مترقبا من بعد أمنه بأرض مصر ، لقد غيرت تلكم الحادثه من مجريات حياته وإيقاعها ، وتسببت في خروجه على وجه السرعه من مصر ليحط رحاله في أرض مدين ، من بعد أن علم أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه .ربما لم يستحضر موسى – عليه السلام – هذه الحادثه المؤسفه في ذهنه عندما بادر بالإنكار على الخضر – عليه السلام – جريمته .
ثمة رابط دقيق بين الحادثتين على الرغم من الفتره الزمنيه الطويله الفاصلة بينهما ... فكما خشي موسى – عليه السلام – على نفسه من طغيان فرعون وبطشه من بعد قتله القبطي ، وأراد به ربه خيرا .. فكان مكوثه بأرض مدين زكاة وتهيئه وتربيه ، نجد أن إرادة اللطيف الخبير قد أرادت بالأبوين المؤمنين خيراً ، ويأتي تأويل الخضر – عليه السلام – ليبين لنا هذا الرابط الذي يستدعي الماضي ... " وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا .. فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا " .
***
المشهد الثالث ... لو شئت لاتخذت عليه أجرا
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا "
حائط متهالك أوشك أن ينقض ويسقط عند قوم أبوا أن يضيفوا الخضر وموسى – عليهما السلام – أو يطعموهما ، فإذا بالخضر يصلح الجدار ويقيمه كأحسن ما كان وبلا أجر يأخذه ، فما كان من موسى إلا أن تعجب من هذا الصنيع مع قوم أبوا ضيافتهم ... " لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا " !! ... ونسي موسى – عليه السلام – أنه قد سقى من البئر لامرأتين ضعيفتين وأبوهما شيخ كبير بأرض مدين بلا أجر .
وكما أراد الله – عز وجل – بالغلامين اليتيميين خيراً بأن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة منه – سبحانه وتعالى - ، أراد الله – عز وجل – الخير بموسى – عليه السلام – عندما عمل أجيراً لسنوات في مدين ليبلغ أشده ويحمل أمانة الرساله ومشقة النبوه وينطلق بهما إلى عدوه فرعون ، فكان هذا هو الكنز القابع تحت ماء بئر مدين .
يالها من مصادفه عجيبه ... فاستحضار مشاهد وتجارب غابره أثرت فينا وصقلت خبراتنا وربطها بالحاضر فن لا يتقنه الكثيرون ... فقد تكون الدروس المستفاده بين السطور والمفردات ، وليس شرطاً أن تنطق بها الكلمات ... وهكذا هي الأقدار .
فقد نخرج من هذه الحياه ولا ندرك كثيراً من أسرار وحكم ما مررنا به من تجارب مؤلمه ومحزنه ، بيد أن هذه الأسرار والدقائق واللطائف لا تخفى على اللطيف الخبير ، فهي أمره وقدره ... والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
والمتأمل في هذه المشاهد الثلاث يجد أنها ما هي إلا محطات رئيسيه مر بها موسى – عليه السلام – من قبل أن يصطفيه ربه برسالته وكلامه ، وفي هذا سر بديع .... فقد اعتقد موسى أنه أعلم الناس ولم يرد العلم إلى العليم الخبير ، فكان هذا الدرس التربوي الرائع ليكون بمثابة كشف حساب من الله – عز وجل – لموسى – عليه السلام - على يدي الخضر – عليه السلام – تذكيراً له لما كان عليه من قبل النبوه والرساله ... " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " ، " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " ، " وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى " .
فسبحان الله العليم القدير ... رحم موسى عليه السلام وعلمه في أمور يظن الظان أنه يعلمها على حقيقتها ولكن لا يعلمها على حقيقتها إلا الله اللطيف الخبير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شأن موسى والخضر - عليهما السلام - :- " يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا "
المشهد الأول ... أخرقتها لتغرق أهلها
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا "
عجب موسى – عليه السلام – من صنيع الخضر – عليه السلام – بسفينة المساكين ، وأنكر عليه خرق السفينه مخافة أن يُغرق أهلها ، وهو – عليه السلام – لم يغرق عندما وضعته أمه في تابوت وألقته في اليم ... رضيعاً ضعيفاً تتقاذفه الأمواج وتحوطه عناية الله الحكيم العليم المنان ... الذي يدبر الأمر من وجوه قد تبدو للمخلوق – الذي ينظر إلى ظاهر القدر – أن فيها التهلكه .
لقد كانت السفينة المعيبة بخروق في جسمها طوق نجاة من ملك ظالم يأخذ كل سفينة صالحة مليحة غصباً ، كما كان التابوت الخشبي الذي يحمل بين جنباته رضيعاً مسكيناً ، كل ذنبه وجلُ عيبه أنه مولود ذكر خافت عليه أمه من سكاكين جند فرعون التي أزهقت – في طلبه- أرواح آلاف الرضع الذكور من بني اسرائيل .
إنها إرادة الرب المدبر الذي قال – سبحانه تعالى – في محكم التنزل :- " وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ " ... فكانت بداية الأمر " أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ " وتمام المنه في قوله – عز وجل - :- " وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ " ، وقيسوا على ذلك ما كان من أمر سفينة المساكين .
وكما أن حق التقوى هو دوام مراقبة الله – عز وجل – في السر والعلن واستواء ظاهر المرء مع باطنه ، فإن حق العلم والتعلم هو الإحاطه بما بدي من ظاهر الأمور والمسائل والإلمام بما خفي ودق من بواطنها وأسرارها .. فهذا هو العلم الحق الذي يجد به المرء في قلبه ونفسه رحمة بعباد الله ، إنها رحمه من نوع خاص تستلهم قبساً من رحمة الله الذي وسع كل شيئ رحمة وعلماً . وقد وصف المولى – سبحانه وتعالى –الخضر – عليه السلام – فقال عنه :- " عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا " .
فالمفترض بالمرء أنه كلما ازداد علماً ... ازداد خشوعاً ووقاراً وتذللا لربه الذي علمه وتفضل عليه ، لا أن يغتر ويعجب بنفسه ويتطاول بعلمه على عوام الناس . ويجدر بنا هنا أن نورد السبب الذي ركب موسى من أجله البحر ليتعلم من الخضر ، فكانت هذه القصه الرائعه .
فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي بن كعب أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :- " قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا أعلم قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك ....... "
***
المشهد الثاني ... لقد جئت شيئاً نكراً
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا "
يمر موسى والخضر – عليهما السلام – بغلام يلعب مع الصبيان ، فإذا بالخضر يقتلع رأس الصبي ...إنه قتل لنفس على الهواء مباشرة وبدون أي مبرر لمن عاين الحدث ... كان وقع الجريمه شديداً على موسى – عليه السلام - ، فأنكر على الخضر فعلته ، ونسي موسى أنه قد قتل نفساً من قبل ... " قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ " ، ولقد من الله – عز وجل – على موسى بذلك فقال – سبحانه وتعالى - :- " وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا " .
سنوات طوال قد مرت منذ أن أمسى موسى – عليه السلام – خائفا مترقبا من بعد أمنه بأرض مصر ، لقد غيرت تلكم الحادثه من مجريات حياته وإيقاعها ، وتسببت في خروجه على وجه السرعه من مصر ليحط رحاله في أرض مدين ، من بعد أن علم أن الملأ يأتمرون به ليقتلوه .ربما لم يستحضر موسى – عليه السلام – هذه الحادثه المؤسفه في ذهنه عندما بادر بالإنكار على الخضر – عليه السلام – جريمته .
ثمة رابط دقيق بين الحادثتين على الرغم من الفتره الزمنيه الطويله الفاصلة بينهما ... فكما خشي موسى – عليه السلام – على نفسه من طغيان فرعون وبطشه من بعد قتله القبطي ، وأراد به ربه خيرا .. فكان مكوثه بأرض مدين زكاة وتهيئه وتربيه ، نجد أن إرادة اللطيف الخبير قد أرادت بالأبوين المؤمنين خيراً ، ويأتي تأويل الخضر – عليه السلام – ليبين لنا هذا الرابط الذي يستدعي الماضي ... " وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا .. فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا " .
***
المشهد الثالث ... لو شئت لاتخذت عليه أجرا
قال الله – عز وجل - :- " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا "
حائط متهالك أوشك أن ينقض ويسقط عند قوم أبوا أن يضيفوا الخضر وموسى – عليهما السلام – أو يطعموهما ، فإذا بالخضر يصلح الجدار ويقيمه كأحسن ما كان وبلا أجر يأخذه ، فما كان من موسى إلا أن تعجب من هذا الصنيع مع قوم أبوا ضيافتهم ... " لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا " !! ... ونسي موسى – عليه السلام – أنه قد سقى من البئر لامرأتين ضعيفتين وأبوهما شيخ كبير بأرض مدين بلا أجر .
وكما أراد الله – عز وجل – بالغلامين اليتيميين خيراً بأن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة منه – سبحانه وتعالى - ، أراد الله – عز وجل – الخير بموسى – عليه السلام – عندما عمل أجيراً لسنوات في مدين ليبلغ أشده ويحمل أمانة الرساله ومشقة النبوه وينطلق بهما إلى عدوه فرعون ، فكان هذا هو الكنز القابع تحت ماء بئر مدين .
يالها من مصادفه عجيبه ... فاستحضار مشاهد وتجارب غابره أثرت فينا وصقلت خبراتنا وربطها بالحاضر فن لا يتقنه الكثيرون ... فقد تكون الدروس المستفاده بين السطور والمفردات ، وليس شرطاً أن تنطق بها الكلمات ... وهكذا هي الأقدار .
فقد نخرج من هذه الحياه ولا ندرك كثيراً من أسرار وحكم ما مررنا به من تجارب مؤلمه ومحزنه ، بيد أن هذه الأسرار والدقائق واللطائف لا تخفى على اللطيف الخبير ، فهي أمره وقدره ... والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
والمتأمل في هذه المشاهد الثلاث يجد أنها ما هي إلا محطات رئيسيه مر بها موسى – عليه السلام – من قبل أن يصطفيه ربه برسالته وكلامه ، وفي هذا سر بديع .... فقد اعتقد موسى أنه أعلم الناس ولم يرد العلم إلى العليم الخبير ، فكان هذا الدرس التربوي الرائع ليكون بمثابة كشف حساب من الله – عز وجل – لموسى – عليه السلام - على يدي الخضر – عليه السلام – تذكيراً له لما كان عليه من قبل النبوه والرساله ... " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي " ، " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " ، " وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى " .
فسبحان الله العليم القدير ... رحم موسى عليه السلام وعلمه في أمور يظن الظان أنه يعلمها على حقيقتها ولكن لا يعلمها على حقيقتها إلا الله اللطيف الخبير.