على من يلج باب تفسير القران ان يحذر من الذلل حتى لا يقول على الله ما لم يقل فهذا كتاب عظيم من رب العالمين ثم عليه ان يختم تفسيره بقول والله اعلم بالصواب مظنة الخطأ في التفسير الذي لم يثبت عن الرسول لا الخطأ فيه اكثر من الصواب فهذا قران معجز في بيانه وبنيانه والله اعلم
وفقنا الله واياكم للسداد
الأستاذ أبو راشد
تحية طيبة
الذكر الحكيم كما يدل عليه وصفه يتطلب استحضار الحكمة والمنطق لفهمه، لو أرسلت إليك رسالة أقص عليك فيها عملا أنجزته أو سأنجزه فقرأ الرسالة قبلك شخصان، أحدهما أخبرك أن الرسالة تتكلم عن عمل أنجز في الماضي، والآخر قال بل هو عمل سينجز في المستقبل، من ستصدق؟
لا يمكن عقلا ومنطقا أن تكون إجابتان متعارضتان كلاهما على صواب، لا بد أن إحداهما صائبة والأخرى خاطئة.
هل ترجح صواب إحداهما بناء على التزكية؟
الحق لا يبنى على العواطف وعلى التزكية في ما فطر الله العقل الإنساني عليه، فالقاضي في أي مجتمع إنساني لا يبني حكمه إلا على الدليل أو شهادة الشاهد بعد أن يقسم بالله على صحة شهادته، ولا يأخذ بقول راو لم يكن شاهدا، وبهذا يكون القاضي قد حكم بالحق لأن ما قام به هو التصرف الصحيح .
إذا فلتكن أنت القاضي في هذه القضية، إقرأ الرسالة بنفسك، وحاول أن تفهمها ببصيرتك.
قرأت رسالتي فوجدتني فيها أؤكد لك أربع مرات أني وضحتك لك مضمونها وسهلت عليك فهمه،
لو كنت فعلا قد وضحت لك مضمون الرسالة ويسرت لك فهمه فلن تحتاج إلى الاستعانة بصديق ليشرحه لك.
كذلك الحال مع رسالة سورة القمر، فالله أكد أربع مرات بقوله (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر)، وما أكد هذا القول 4 مرات إلا لأن فهم مقصد السورة ميسر حصرا في السورة ، أي واحد يقول إنه حدث كذا وكذا... لن أقدم كلامه على شهادة الله التي تكررت أربع مرات.
قول الله تعالى (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) أفهم منه أن فيه مفتاح تيسير فهم القضية التي نحن بصددها في السورة، فالتيسير يبنى على الترتيب كما أسلفت، فلا يقولن أحد إن (اقتربت الساعة وانشق القمر) فيها تقديم وتأخير، هذا ليس ترتيب، الترتيب هو أن تأتي الأحداث مطابقة لترتيبها في المصحف، فالله يقص علينا حدثا عظيما وهو الساعة، من قبل وقوعها إلى أن تقع ثم بعد وقوعها يخبرنا بما سببته أو ستسببه من دمار.
مثلا : لو خرج قطار عن مساره إلى مسار قطار آخر مقبل في اتجاهه فإن المعلق الذي يتابع المشهد من طائرة الهيليكوبتر سيقول أولا : اقترب وقوع الكارثة، فالكارثة ما زالت لم تقع ما دام القطاران لم يصطدما بعد، فإذا اصطدما وقعت الكارثة، لا يصح أن يقدم وقوع الاصطدام على اقتراب الكارثة ، لا يقال : اصطدم القطاران واقترب وقوع الكارثة، كذلك لا يصح كلام من قال إن الآية فيها تقديم وتأخير ، وأن ترتيبها واقعا يختلف عن ترتيب الإخبار عنها في السورة، فترتيبها واقعا (عندهم) هو (انشق القمر واقتربت الساعة)، هذا لا يصح، كما لا يصح أن يقال (اصطدم القطاران واقترب وقوع الكارثة)، فالكارثة وقعت باصطدام القطارين وقضي الأمر، وبعد وقوع الكارثة يخبر الشاهد المتابع للحادثة بما سببه الاصطدام من خسائر ودمار، كذلك ترتيب اقتراب الساعة ووقوعها بانشقاق القمر يأتي بعدها ذكر ما سببته من دمار للأرض، ضربت له قصص الأمم السابقة أمثالا : طوفان (قوم نوح) ، رياح عاتية تدمر كل شيء (قوم عاد)، زلازل مرجفة (ثمود)، براكين تقذف بحجارتها المصهورة لترتد حمما على الأرض تجعل عاليها سافلها (قوم لوط).
إذن فجمهور القرون الأولى الذي فسروا (اقتربت الساعة وانشق القمر) بأن الانشقاق سيحدث عند قيام الساعة هم الذين على صواب.
وتقبل تحياتي