وردت أحاديث عن خير البرية صلى الله عليه وسلم والكثير من أقوال أئمة السلف في مقاربة السلطان وليعذرني السلاطين وكل مسلم في إيرادها فهي عن رسولنا المعظم عندنا جميعا
فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من سَكَن البادية جفا، ومن اتّبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتُتن" أخرجه أبو داوود والترمذي والنسائي والامام أحمد وصححه الالباني
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بواردٍ عليَّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوض"
أخرجه الترمذي، والنسائي (رقم:4207)، والإمام أحمد (4/243) من حديث كعب بن عجرة. قال الألباني: صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد (2/95) من حديث ابن عمر، ومن حديث خباب بن الأرت، و من حديث حذيفة، وفي من حديث النعمان بن بشير.
وأخرجه الإمام أحمد من حديث جابر قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء". قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم..." الحديث.
وأخرجه الإمام أحمد (3/24، 92) من حديث أبي سليمان عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ومن لم يدخل عليهم ويصدقهم بكذبهم ويعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه".
واعلم أخي أن تنزيلها على المعين لا أقصده ولا يجزم به لكن ذكرى لنا نحن فإن الفتنة بالسلاطين ليس من شرطها أن يكونوا ظالمين فإن السلطان قد يخطيء ويعذر أما حواشية من أهل العلم فإما أن يميل به المال والجاه بقربهم وإما أن يخاف البيان لحرمة السلطان وهيبته فيسكت وإما أن يزين له جميل صنعه في خطأه ويؤيده وقد عرف أن الحق خلافه وهذا أشد فتنة فأمر السلاطين صعب ونقول هذا تقديرا لهم فلسنا مع ضعفنا أهلا أن نجالسهم ونجمع معهم بين حق الله وحقهم فليجدوا لنا العذر بهذا الايراد ولنحذر أشباهنا من تقحم مقامهم فليس كل أحد مؤيد من الله أن يكون أهلا لجلوس مجلسهم ويطأ فرشهم ويأخذ تحفهم بدون ضرر وفتنه فقد أعطاهم الله من الروعة في القلوب ما يذهب بدين الضعفاء وينسيهم مخافة الحنفاء وغير ذلك من الاسباب الكثيرة دون الظلم
قال المناوي في "فيض القدير" (6/94): "لأن الداخل عليهم إما أن يلتفت إلى تنعمهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يهمل الإنكار عليهم مع وجوبه فيفسق فتضيق صدورهم بإظهار ظلمهم وبقبيح فعلهم، وإما أن يطمع في دنياهم وذلك هو السحت"،
وقال في (6/153): "لأنه إن وافقه في مرامه فقد خاطر بدينه، وإن خالفه فقد خاطر بروحه، ولأنه يرى سعة الدنيا فيحتقر نعمة الله عليه، وربما استخدمه فلا يسلم من الإثم في الدنيا والعقوبة في العقبى" انتهى.
الشرح:
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (3/191): قوله: (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء) أي: من عملهم، أو من الدخول عليهم، أو اللحوق بهم. (فمن غشى أبوابهم)، وفي رواية النسائي: (فمن دخل عليهم) وهو المراد من غشيان أبوابهم، وغشى الشيء إذا لابسه. (وأعانهم على ظلمهم) أي: بالإفتاء ونحوه. (فليس مني ولست منه) أي: بيني وبينه براءة ونقض ذمة، وقيل: هو كناية عن قطع الوصلة بين ذلك الرجل وبينه - صلى الله عليه وسلم - أي ليس بتابع لي وبعيد عني. انتهى باختصار.
وعن رجل من بني سُلمى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم وأبواب السلطان فإنه قد أصبح صعبًا هَبُوطًا" . ("رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح"، وصححه الألباني في "الصحيحة" (رقم: 1253)..
قال المناوي في "فيض القدير" (3/120-121): (إياكم وأبواب السلطان) أي: اجتنبوها ولا تقربوا بابًا منها. (فإنه) يعني: باب السلطان الذي هو واحد الأبواب. (قد أصبح صعبًا) أي: شديدًا. (هَبُوطًا) أي: منزلاً لدرجة من لازمه مُذلا له في الدنيا والآخرة، والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني "حبوطا" بحاء مهملة، أي: يحبط العمل والمنزلة، وقال الديلمي: وروي "خبوطًا" بخاء معجمة، والخبوط: البعير الذي يضرب بيده على الأرض اهـ، وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق، ولم يصب من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينه أغلى منه، وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق؛ إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع، ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويُطري وينافق فيهلك ويُهلك. انتهى
باختصار.
وأقوال السلف لا تحصر في هذا الباب
أنشد الامام عبد الله بن المبارك :
خذ من الجاروش والأرز *** والخبز الشـعير
واجعلنْ ذاك حــلالاً *** تنجً من حر السعير
وانأ ما اسطـعتَ هدا *** ك الله عن دار الأمير
لا تزرها واجتنـبها *** إنها شـرّ مــزور
تُوهنُ الدينَ وتُـد *** نِيكَ من الحُوب الكبير
قبلَ أن تسقطَ يـا *** مغرورُ في حفرة بيـر