وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير الجزاء
ومن أذكار الصباح والمساء ذلكم الذكر العظيم، والدعاء النافع الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما سأله أن يرشده إلى كلمات يقولوها كل صباح ومساء، فقد روى الترمذي وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: "يا رسول الله! مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال: قل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه". وفي رواية أخرى: "وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم". قال: "قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك" صحيح الترمذي (رقم:2701).
فهذا دعاء عظيم يستحب للمسلم أن يقوله في الصباح والمساء وعند النوم، وهو مشتمل على التعوذ بالله والالتجاء إليه والاعتصام به سبحانه من الشرور كلها، من مصادرها وبداياتها ومن نتائجها ونهايتها، وقد بدأه بتوسلات عظيمة إلى الله جل وعلا، بذكر جملة من نعوته العظيمة وصفاته الكريمة، الدالة على عظمته وجلاله وكماله، فتوسل إليه بأنه "فاطر السموات والأرض"، أي خالقهما ومبدعهما وموجدهما على غير مثال سابق، وأنه "عالم الغيب والشهادة"، أي لا يخفى عليه خافية، فهو عليم بكل ما غاب عن العباد وما ظهر لهم، فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، وعلمه سبحانه محيط بكل شيء، وتوسل إليه بأنه "رب كل شيء ومليكه" فلا يخرج شيء عن ربوبيته، وهو المالك لكل شيء، فهو سبحانه رب العالمين، وهو المالك للخلق أجمعين، ثم أعلن بعد ذلك توحيده وأقر له بالعبودية، وأنه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه فقال: "أشهد أن لا إله إلا أنت"، وكل ذلك جاء مقدمة بين يدي الدعاء، مظهرا فيه العبد فاقته وفقره واحتياجه إلى ربه، معترفا فيه بجلاله وعظمته، مثبتا لصفاته العظيمة ونعوته الكريمة، ثم ذكر بعد ذلك حاجته وسؤاله، وهو أن يعيذه الله من الشرور كلها فقال: "أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم" وفي هذا جمع بين التعوذ بالله من أصول الشر ومنابعه، ومن نهاياته ونتائجه، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في التعليق على هذا الحديث: "فذكر ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ مصدري الشر وهما النفس والشيطان، وذكر مورديه ونهايتيه وهما عوده على النفس أو على أخيه المسلم، فجمع الحديث مصادر الشر وموارده في أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه" بدائع الفوائد (2/209). فالحديث فيه تعوذ بالله عز وجل من أربعة أمور تتعلق بالشر:
الأول: شر النفس، وشر النفس يولد الأعمال السيئة والذنوب والآثام.
والثاني: شر الشيطان، وعداوة الشيطان للإنسان معلومة بتحريكه لفعل المعاصي والذنوب وتهييج الباطل في نفسه وقلبه.
وقوله: "وشركه" أي ما يدعو إليه من الشرك، ويروى بفتح الشين والراء "وشركه" أي: حبائله.
والثالث: اقتراف الإنسان السوء على نفسه، وهذه نتيجة من نتائج الشر عائدة إلى نفس الإنسان.
والرابع: جر السوء على المسلمين، وهذه نتيجة أخرى من نتائج الشر عائدة إلى الآخرين.
وقد جمع الحديث التعوذ بالله من ذلك كله، فما أجمعه من حديث، وما أعظم دلالته، وما أكمل إحاطته بالتخلص من الشر كله.
http://hmuslim.com/play.php?catsmktba=3052