هذا كلام نفيس منقول من صفحة الشيخ الشريف حاتم العوني على الفايسبوك
يقول صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا حَكَمَ الحاكِمُ ، فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَصَابَ : فَلَهُ أَجْرَانِ . وَإِذَا حَكَمَ ، فَاجْتَهَدَ ، ثُمَّ أَخْطَأَ : فَلَهُ أَجْرٌ )) .
واضح من الحديث ما هو شرط الحصول على الأجرين أو الأجر :
فالشرط الأول : هو التأهّل للحكم والاجتهاد (بصفات جبلية ومكتسبة) ، وهو مأخوذ من قوله ( الحاكم ) ، فهو المتولي بحق منصب الحكم ؛ إذ لم يكن يتولى منصب الحاكم في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا الأكفاء ، فلم يكن يولي صلى الله عليه وسلم إمارة ولا حكما إلا الأكفاء ، كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل .
والشرط الثاني : الاجتهاد في معرفة الحق ، أي بذل الوسع في معرفته . وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : (( فاجتهد)) . وسياق التعبير النبوي صريح في اشتراط بذل الوسع لنيل الأجرين والأجر ، وهو أوضح في الدلالة على ذلك من اللفظ الشائع : ((إذا حكم المجتهد ...)) ؛ لأن هذا اللفظ ذُكر فيه الاجتهاد وصفا للحاكم ، وكأنه يكفي فيه أن يكون متأهلا للاجتهاد ، لكن اللفظ النبوي ذكر الاجتهاد من فِعل الحاكم : ((فاجتهد)) ، فهو شرط زائد على التأهل .
ومن القرائن الدالة على بذل الوسع أن يكون الخطأ ظنيا , وخلاف المخالف سائغًا ؛ لأن الخلاف غير المعتبر تكون أدلة بطلانه قطعية ، والأدلة القطعية لا تخفى غالبا ، مع بذل الوسع من المتأهل .
ومن القرائن الدالة على عدم تحقق شرطي الأجر والأجرين في الاجتهاد ، أو على عدم تحقق أحدهما : أن يكون القول غير معتبر وخلافه غير سائغ ؛ لأنه غالبا ناشئ عن أحد أمرين : إما أنه خلاف ممن ليس عنده أهلية الاجتهاد ، أو ممن قصر في الاجتهاد .
وقلت : إن اعتبار القول وعدم اعتباره مجرد قرينة وليس دليلا ؛ لأن القول قد يكون وجه خلافه معتبرا ، ولا يكون المخالف مأجورا ، إذا كان فيه متبعا لهواه أو ليس مؤهلا ؛ ولأن القول قد يكون غير معتبر , مع بذل الوسع في طلب الحق .
ولكن من هذا البيان : لا يصح أن نصف صاحب اجتهاد غير معتبر (حتى لو كان عالما مؤهلا ) بأنه مأجور في اجتهاده هذا الذي خرج به عن حد الاختلاف السائغ , ولا أنه غير مأجور فيه ، وندع أمر ذلك لله تعالى . بل أن ينجو من زل في اجتهاده بقول غير معتبر ، يخالف فيه دليلا قطعيا ، فلا يكون مأجورا ولا مأزورا = لهو أعظم ما يجب أن يتمناه هو ، وأن نتمناه نحن له !!
فليس كل متأول مأجورا على تأوله ؛ وإلا لكان أهل البدع المتأولون مأجورين على ابتداعهم .
أقول هذا لنستحضره عند حكاية حكم المتأولين في قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، والذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بـ(الفئة الباغية) ، أي الظالمة . فلا يصح أن نجزم لأعيانهم بالتأول (أولا) , ولا أن نحكم للمتأول منهم بالأجر ؛ لأن خلافهم كان خلافا غير معتبر أصلا .
ومن ظن كل متأول مأجورا ، لزمه أن يقول عن أهل البدع إنهم مأجورون في ابتداعهم ؛ إذا كانوا علماء وبذلوا الوسع ، وقد كان في القدرية والمرجئة وغيرهم من أهل البدع علماء ، لا يُنازع في علمهم وإمامتهم فيه .